قرأت في ظهر الكتاب بأنه حلقة في سلسلة نقدية ترصد مواطن الخلل في الواقع العربي من كل الجوانب، والزوايا الفكرية الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفس التربوية والتعليمية والثقافية، بمنهج تحليلي سجالي يتناول الظواهر والأفكار والشخصيات، التي يمكن أن تشكل تجسيدا متعينا لهذه الظواهر والأفكار والاتجاهات، عنونة الكتاب تشدك لاقتنائه وقراءته أوهام الحداثوية.. ثقوب في رواية عبدالله الغذامي لتجربة الحداثة السعودية لمؤلفه عز الدين صغيرون، إذاً، فنحن أمام منهج تحليلي سجالي هكذا وعدنا صغيرون، حين أعمل أدواته النقدية المناهضة للتراجعات الفكرية والتناقضات التي وقع في حبائلها الدكتور الغذامي، ومزالق النرجسية العالية، وفشله في تمثل الحداثة والعجز عن تبيئتها كمفهوم، على حد تعبيره، تلمح في لغة صغيرون استعلاء وهميا مستبطنا وتستشف فيها تبرمات وتمثلات واشتغالات لا تؤسس لمسارات نقدية دقيقة وعميقة، ولا تستحضر مطارحات والتباسات الدكتور الغذامي، والاختصام حولها وطرائق تحليلها وكشفها، فـصغيرون كان أشبه في كتابه بحاطب ليل، ففيه كثير من التخبط والتناقض والفوضى والثغرات، حين أسرف في القفز من حكاية الحداثة عند الغذامي واتهامه بأنه مارس أسوأ أنواع الخداع الذاتي إلى مشروع النقد الثقافي ومحاولة إفقار ذلك المشروع، وتقليص مكامن قوته وأهميته في الثقافة والنقد العربيين، حاول المؤلف تسفيه التعريف الضبطي المتوازن للحداثة من منظور غذامي حين قالها أي الغذامي صريحة: هي التجديد الواعي، ولكن صغيرون يراها ركوب مغامرة العقل وتحطيم دائرة المحرمات وكسر التابو المتبع، وهدم كل ما هو قائم وإقامة بناء جديد على أنقاض البناء الأول، وصم المؤلف تراجعات الدكتور بأنها مزاجية فكرية ونفسية، وآراء حادة وقطعية وضارة لمن يسعى إلى معرفة هذه التجربة، من زاوية تاريخية وموضوعية وأمينة، ونسي صغيرون أن الجدران وحدها التي لا تغير رأيها ورؤيتها، يقول الدكتور الغذامي بكل صراحة ووضوح البعض يظن أن الثبات على الكلمة رجولة وفحولة، والرجل هو من ثبت عند كلمته كما هو التعبير العمومي في تعريف الرجولة، لكننا في الثقافة سنجد أن الرجل الحق هو من لا تحكمه كلمته ولا تستعبده مواقفه الظرفية، ولكن ذلك الكائن القادر على التحول والتنوع وتوجيه نظره حول المستقبل، والرجل هنا هو ليس من هو عند كلمته، ولكنه الذي ليس عند كلمته، هو من تعجز كلمته عن تقييد فكره، والتحول شهادة حياة وحيوية، ولذا فإنني ابن التحول والتنوع حيثما تطلب الأمر، والثقافة ليست سوى معركة دائبة مع التحول والتجدد، وأرجو أن أكون حيا بهذا المعنى وبهذه العزيمة، قالها في مقدمة الدراسة النقاشية الضخمة عن مشروع عبدالله الغذامي والممارسة النقدية والثقافية رحم الله المبدع الراحل مطلق الذيابي حين قال: حصاني مسرج ولكن الطريدة هزيلة، فما أكثر ثقوب صغيرون وفجواته في هذا الكتاب.