في عام 1428 أصدر سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز تعميما شديد اللهجة قال فيه باختصار؛ إن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، ويمنع منعا باتا تفتيشه أو تفتيش جواله أو إهانته، وهذا التعميم جاء بناء على ضرورة الالتزام بنظام الإجراءات الجزائية، وهو تعميم لكل أمراء المناطق، ولهيئة التحقيق والادعاء العام، ولهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأخيرة بالذات لا حق لها مطلقا في التحقيق وتفتيش الجوالات، لكنها تُمارس كل ذلك وأضافت له الاستدراج والإغراء بالرذيلة والتجسس والخداع ونصب كمائن الاصطياد والقبض والضرب!!، وبعد هذا التعميم بأشهر أرسل سموه خطابا إلى هيئة الأمر بالمعروف، وهيئة التحقيق، قال فيه: لابد من الالتزام بنظام الإجراءات الجزائية، وأي عضو في هيئة الأمر بالمعروف ينقل متهما إلى مركز الهيئة يتم منعه من العمل، لأن النظام يمنع الهيئة من التحقيق والتجسس، ومن إهانة المتهمين، وواجبها تسليمه لأقرب مركز شرطة لتتولى مهامها، ومن يخالف هذا تكف يده عن العمل، وعندي نماذج من هؤلاء العائدين بعدوانية!، وبعد هذا عندي صور لخطابات غريبة بين رئيس هيئة التحقيق والادعاء وبين رئيس هيئة الأمر بالمعروف في عسير، وأقول (غريبة) لأن رئيس هيئة التحقيق يشير في خطاباته إلى خطأ وحرمة ما يفعله أعضاء هيئة الأمر بالمعروف، وفي ذات الوقت تقبل هيئة التحقيق دعاواهم وتتبناها تحت إشرافه وبعلمه، مع أن الهيئة تستطيع حفظ هذا النوع من القضايا، وقد اتصلت برئيس هيئة التحقيق في عسير لكنه لم يجب عن أسئلتي وقال: (تعال مكتبي ونتفاهم!)، ولم أذهب ولن أذهب، لأنه قال: الموضوع كاملا أمام الأمير، يقصد الأمير فيصل بن خالد أمير عسير، وطبعا لم أصدقه في مدح الأمير، لأَنِّي أعرف أن رئيس الادعاء خائف، ولأن بين يدي خطابات من الأمير لرئيس هيئة التحقيق، ولرئيس هيئة الأمر بالمعروف، وهي خطابات تؤكد ضرورة الالتزام بالأنظمة والتعليمات، فلا يجوز لهيئة الأمر بالمعروف تحقيق ولا تفتيش لأي إنسان، وأكثر من مئة سجين في سجن عسير لا يستحقون التفاتة جادة قوية من أي صاحب صلاحية!! وهذه من مآسي زمن السرورية.
القصة يا سادة يا كرام ليست مطاردة فتاة النخيل، ولا دمية الخرج، ولا مناكير الحياة مول، ولا مقتل الحريصي، ولا الغامدي، ولا الشقيقين في اليوم الوطني، كل هذا بسيط، وتافه أمام مئات (الأطباء والمهندسين والضباط والدكاترة والموظفين والمسؤولين والطلاب وغيرهم من السعوديين) القابعين في السجون بتهم باطلة، وإجراءات محاكمة ظالمة، وأحكام من ثلاث سنوات إلى عشر سجنا، ومن أربعمئة إلى ألفي جلدة!!، هذا حدث ويحدث، وما زال مستمرا!! فكيف!؟
هيئة الأمر بالمعروف تستدرج وتغري بالرذيلة عبر النت، ثم تنصب الكمين وتتجسس، ثم تقبض على الضحية، ثم تحقق وتعد وترشو بالإفراج حتى يعترف الضحية بما لم يفعل، ثم تأخذ توقيعه، ثم تشوت المعاملة إلى هيئة التحقيق والادعاء العام، المهم تتبنى هيئة التحقيق القضية وتحقق، وتحيل الملف إلى القاضي الجاهز سلفا لتنفيذ التعليمات، فيطلب شهودا، فيقوم ممثل الادعاء ويخرج من جيبه أعضاء هيئة الأمر بالمعروف الذين استدرجوا المتهم وخدعوه وأغروه وقبضوا عليه وفتشوا جواله، فيشهدون وهم (عدول) أمام القاضي، فيقوم القاضي وينظر للسماء ويدعو اللهم اهدنا سبل الرشاد!! وبعد أن يحمد الله على العافية والهداية!! يصخ المتهم المظلوم - مثلا - بخمس سنوات وألف جلدة مع سحب الجوال!! والمنع من السفر، والفصل من العمل!!، والأمر بسيط، ولا يحتاج لهذه الهيلمة كلها!!، ففي سجن عسير فقط، نحو مئة وخمسين سجينا من هذا النوع، وكل قصصهم طبق الأصل لما ذكرت، أما التهم فلا تخرج عن الجنس قيد أنملة، (وعدد كبير من صور صكوك الأحكام الصادرة عندي وكلها تكاد تكون متطابقة شكلا ومضمونا، وهي موثقة من القضاة أنفسهم، وتتضمن القصة كاملة تجسسا واصطيادا وعدم اعتراف المتهم، وأسماء الشهود الفجرة، وأسلوب شهادتهم المتطابق مع لائحة الدعوى المرفوعة من هيئة التحقيق، ثم الحكم المستند إلى قال فلان من السلف وقال فلان من الخلف ولا ذكر فيها لكتاب الله الذي حرم الله فيه الظلم على نفسه وعلى عباده!!)، وأما السجناء الذين خسروا وظائفهم ومناصبهم، وسمعتهم وأسرهم، فبعد عمر طويل في السجن لا حل أمامهم بعد الخروج سوى اللحاق بداعش أو أي تنظيم إرهابي ينشأ على أنقاض داعش، وهذا ما يريده ويسعى إليه التنظيم السروري في بلادنا وفي كل مكان في الأرض وصلت إليه غفلته التي سميت جورا (الصحوة) وانتشرت انتشار النار في الهشيم في كل أصقاع الأرض، وجندت وما زالت تجند الشباب في بلادنا وفي العالم كله لكل تنظيم إرهابي!!، فالتجنيد ليس دائما بالإقناع والتضليل والإغراء، لكنه يصلح حتى بالإرهاب، يعني استخدام الإرهاب للتشجيع على الإرهاب والتجنيد له، وفي عسير وصل العدد حتى الآن إلى نحو مئة وخمسين مواطنا سجينا!! ولا أدري لمن أوجه ندائي ورجائي؟ لا أدري فعلا من يستطيع إنقاذ الوطن وشبابه وبناته من هذا التنظيم الساعي إلى السلطة بدراويشه، وسلطته التي تتعاظم يوما بعد آخر، ولهذا يَرَوْن العسف والاعتداء يمارسه المخالفون تحت سمعهم وبصرهم، ولا يحركون ساكنا، ويعتبرونه أخطاء فردية لا تمثل أجهزتهم التي تُمارس أعمالا بحق الوطن والمواطنين جهارا نهارا دون على الأقل خجل أو حياء، وبسلطة الدين البريء منهم!! فقط تأملوا، وانتظروا الفرج!! ولا حول ولا قوة إلا بالله!!