حين يصل بك الاكتئاب إلى أقصى درجاته وتشعر أنك محاصر بالأخبار السلبية التي تضغط على أعصابك، خاصة وأنك تعلم بأنك في هذه الحالات بالذات لا تستطيع أن تقدم شيئا سوى التذمر أو ربما إطلاق بعض العبارات التي تستنكر أو تدين، ولكن إلى أين سيصل صوتك يا مسكين؟ فأنت بالنسبة للاعبين لست سوى ذرة تراب في مهب الريح تُنفض بأصبع واحد ويستمر العدوان والتعدي إلى أن يقرر أحدهم بأنه حان وقت التغيير! قد يقف معك من يصغي إليك ويؤيدك، ولكن وقت الجد ووقت الفعل ستنظر حولك لتجد أنك واقف وحدك، حتى ظلك ستجد أنه جَبُنَ وتخلى عنك! لا تحتاج إلى أن تنتظر طويلا حتى تتعمق في الحياة لتدرك بأن الغالبية تفضل نفسها عليك! وهذا طبيعي فإنها الحياة Ce la vie كما يقول الفرنجة، ولذا عليك أن تهتم بنفسك وإلا انفجرت مشاعرك وحطمتك وبالتالي قد يجرك الأمر إلى أن تحطم من حولك.
حين أخبرت زميلاتي في مجموعة المثقفات بأنني سئمت الأخبار التعيسة التي ترفع الضغط لأنها أجهدت أعصابي، وبأنني قررت أن أكون سعيدة ولن أسمح لأحد أو لشيء أن ينغص عليّ سعادتي، أجابت الزميلة العزيزة الدكتورة إيمان التونسي: إذن لنجعلها دعوة للسعادة، ومنها أتتني فكرة عنوان المقالة.
وبما أن السعادة نوع من المشاعر، بدأت أبحث عما كتب عنها، فوجدت معلومات شدتني كي أشارككم بها، قد نجدها معقدة قليلا لو أننا قرأنا عنها بالتفصيل من المختصين، ولكن لو أننا حاولنا تبسيط المعلومات على الأقل سوف تساعدنا على التعرف على كيفية التحكم بالدماغ البشري بحيث نحاول التفاعل إيجابيا مع المشاعر، كيف؟ لو علمنا أن للدماغ وظائف عدة منها المشاعر التي هي ليست سوى استجابة لأنشطة معينة تتحرك كنتاج أو استجابة لمثيرات خارجية معينة، تدخل على شكل معلومات وبناء عليه نغضب أو نخاف أو نحب أو نفرح... إلخ، وبما أنها وظائف طبيعية فقمعها أو تجاهلها سوف يتسبب بأضرار ليس للفرد نفسه فقط بل لمن حوله. نحن نعلم أن الانفعالات هي ظاهرة طبيعية للجسم، المهم هنا معرفة كيفية التعامل معها ومعالجتها بطريقة إيجابية بحيث تضعنا نحن في مقعد القائد، وهذا لا يحدث إلا متى ما أدركنا بأن الدماغ هو ملك خاص نستطيع التحكم فيه؛ بأن نقرر نوعية الاستجابة، وذلك كي نجعله يفرز الهرمونات التي تؤثر علينا إيجابيا بحيث تجعلنا نشعر بالراحة والسعادة، تماما كتلك التي ينتجها الدماغ حين نكون مثلا مع من نحب أو نكون نقوم بنشاط ما نرغب به أو في أحضان الطبيعة أو حين نصغي لموسيقى هادئة ونحن في حالة استرخاء، عندها يستقبل الدماغ كل ذلك على شكل معلومات ويتم فرز هرمونات السيروتونين التي يمكننا هنا أن نطلق عليها هرمونات السعادة.
وبما أننا المالكون لهذا الدماغ وندرك كيفية إنتاج هرمونات السعادة، فلم لا يكون أيضا بمقدورنا أن نقوم بإنتاجها متى ما أردنا! بمعنى آخر لسنا بحاجة للانتظار، يمكننا أن نخلق السعادة من الداخل أي من أنفسنا، من خلال إرسال رسائل معينة للدماغ، وذلك بدلا من التعامل مع المثيرات الخارجية ونحن وحظنا قد تكون إيجابية وقد تكون سلبية.
حين نكون سعداء نشعر بتوازن في مشاعرنا؛ بمعنى عدم الشعور بالغضب والكراهية والخوف وما إلى ذلك، عندها لا شيء يهم. لماذا؟ لأنه عندما نستطيع أن نتحكم بمشاعرنا ونصل بها إلى حالة التوازن، يكون بمقدورنا مواجهة كل ما ترميه الحياة أمامنا بفاعلية ونستطيع أن نستمر وننتج. وعليه حينما نواجه بالمعلومات السلبية لنتوقف قليلا ونقوم بعمل شيء يسعدنا كقراءة سورة من القرآن الكريم أو قصيدة مفضلة أو تذكر والتركيز على أحداث سعيدة بحياتنا، المهم أن التوازن سيشعرنا بالراحة والاسترخاء وبذلك نستطيع أن نتخلص مما يسبب الضغط على أعصابنا، لأقربها أكثر حين تواجه بحالة اتخاذ قرار أي قرار لنختار الحياة بجمالها أي التنوع في الفكر، في الإبداع، في خلق الفرح، فهي أولا وأخيرا وكل ما بينهما حياتك.
إن اخترت السعادة وقمت بكل ما يشعرك بها، ألن يكون لها تأثير على نفسك، على أسرتك، على عملك، على مجتمعك، ألن يكون بوسعك أن تتخذ القرارات السليمة، بل أن يكون بوسعك أن تخرج عن دائرة التشنج وتقرأ كل حالة من الخارج بدلا من أن تكون في عين العاصفة، ألن يكون بوسعك حينها أن تُقدِّر الأمور بعقلانية وترو بدلا من أن تستدير على نفسك وتأكلها حزنا وغضبا واكتئابا! كلّ له قدرات وكلّ له درجات من التأثير، وكلّ له استطاعة أو قوة أو درجة تحمل، إن أدركنا ذلك سيقل التشنج وبدلا من التفاعل السلبي حتى نصل إلى درجة أن نضرب رؤوسنا في الحائط سنواجه التحدي بفاعلية، أنا لا أعني الاستسلام أو التغاضي أو التفاعل السلبي، كل ما أقوله هو لنتوقف ونتحكم بمشاعرنا من خلال إطلاق هرمونات السعادة لتعطينا الطاقة كي نستمر وقد يهدينا التفكير إلى طرق لم تكن لتخطر على بالنا في كيفية التعامل مع ما يزعجنا، وأحيانا كثيرة إن لم تكن الغالبية منها، سنجد الحل أو المخرج، إن لم يكن في الوقت الحاضر سيكون على شكل هدف نسعى إليه بكل شغف وجهد والأهم أن نسعى إليه ونحن سعداء.
إنها دعوة للسعادة، ما عليكم سوى اتخاذ القرار؛ إنه بيدكَ أنتَ، إنه بيدك أنتِ... فلنبدأ المشوار من الآن، بعد قراءة هذه المقالة، ابتسم وقم بنشاط ما تفضله وتحبه، أو قم بالتفكير بشيء يسعدك، عش معه الحاضر أو عد به للزمن الماضي أو حتى انطلق به إلى المستقبل؛ لن يحدك سوى خيالك، ممكن أيضا أن تجرب القيام بتمرين بسيط تجده على اليوتوب يطلق عليه brain wave vibration exercises فسوف تجد أنه سيساعدك على التخلص من الإجهاد ويسهم كثيرا في الاسترخاء والتركيز.