الأفكار المتشددة قد تجد هوى في نفوس بعض الشباب المراهقين، فتغرر بهم وتدفعهم فعلاً إلى الاستنكار والرفض ثم اعتزال هذا المجتمع المفرط الفاسق كما يظنون

تداول الناس مقطعاً مسموعاً لأحد المحتسبين ضمن مجموعة زاروا الرئيس العام لرعاية الشباب لنصحه ووعظه، بل وإلزامه بصرف النظر عن فكرة إنشاء أندية رياضية نسائية وتحت إدارة نسائية لتمارس فيها نساؤنا وبناتنا الرياضة تحت ظل رعاية الدولة وعنايتها، بما يحفظ لبنات الوطن الخصوصية والحشمة والستر. وكل هذا -بالطبع- دون مقابل وكان مما لفظه هذا المحتسب من كلام على النحو التالي:
السلام عليكم يا أحبة تمت زيارة الأمير عبدالله بن مساعد والجلوس معه أسأل الله إن كان في سابق علمه هدايته أن يهديه وإن كان في سابق علمه أن لا هداية له أن يكثر من جنسه في المقابر.. الرجل معاند.. ومكابر ويتكلم بعنطزية –بعنجهية- يقول لنا الكنهوتية راحت.. يقصد (الكهنوتية) وهكذا إلى آخر التسجيل حيث يختم بقوله:
الله.. الله الدعاء الدعاء والتواصي بالحق والصبر والزيارة.. اشغلوه، كان ينفخ لكن أخونا أسد الدار البيضاء قال اسطره وعدل طاقيته واحد يسطر وواحد يعدل طاقيته) انتهى.
بعد سماعي لهذا التسجيل ضاق صدري والله وغمرني الحزن والحنق على أن ينتشر مثل هذا المحتوى، لأنني فكرت في الأثر الذي يمكن أن يتركه مثل هذا الأسلوب الدعوي الوعظي الممتلئ تفكيرا سلبياً مليئاً بالحذر والتحوط والخوف أكثر مما يجب.
وأحزنني أن تستمر عندنا هذه الازدواجية في النظر للأمور، فالأندية النسائية الرياضية الخاصة موجودة الآن في أكثر مدن المملكة وتقتطع أجوراً ورسوماً عالية للاشتراك فيها، ومع ذلك فهي مستمرة في عملها، فما الفرق بينها وبين الأندية التي ستقوم الرعاية بإنشائها وفتح المجال للاشتراك بها مجانا؟
عجيب أمر بعض شبابنا المتحمسين يفسدون من حيث يحسبون أنهم يحسنون. إن أثر مثل هذه التسجيلات جد خطير فهي على حالتين:
-1 الحالة الأولى قد تزيد الشباب المراهقين الذين سيسمعونها نفوراً من الدين مع ما يرونه من تشدد وتمنع وسد للذرائع لا ينسجم غالباً مع الفسحة والتسامح والسعة الموجودة أصلا في ديننا العظيم الذي نردد دائماً أنه صالح لكل زمان ومكان، لكننا عوضاً عن أن نجذبهم فإننا ننفرهم ونكرههم ونطردهم من رحابة وتسامح الدين ربما إلى ساحة التخلي وربما صعوداً ليصلوا إلى منصة الإلحاد –نعوذ بالله-، وكل ذلك بسبب هذه النوعية من الناس التي تتلبس لبوس ومظهر المشايخ وما هم بعلماء ولا مشايخ، ولكنهم من أحداث الأسنان الطائشين المتطرفين وربما أن كثيراً منهم قد دخلوا ساحة التطرف من ساحة التفريط السابقة في حق الله.
-2 الحالة الثانية هي أن هذه الأفكار المتشددة قد تجد هوى في نفوس بعض الشباب المراهقين فتغرر بهم وتدفعهم فعلاً إلى الاستنكار والرفض ثم اعتزال هذا المجتمع المفرط الفاسق –في حسبانهم- ثم يتحولون صعوداً إلى التكفير ليصبحوا لاحقاً طعماً جاهزاً لداعش وغيرها من التنظيمات المتطرفة.
يرى هذا المحتسب أن أسد الدار البيضاء يعتمد نظرية في الدعوة تتلخص كما قال في الجملة التالية: أسطره وعدل طاقيته وكلمة أسطره هنا تعني (أضربه كف حتى تميل طاقيته من وقع الكف ثم عدل طاقيته) وهي نظرية أسلوبية مبتكرة في الدعوة وتحتاج إلى معاهد للدارسات الفكرية لتفكيكها وتحويلها إلى نهج تربوي ووعظي لتطبيقه في المنازل والمدارس والمساجد، على أن يتولاها أساتذة ومشايخ مثل ذئب العزيزية وضبع السويدي ونمر النسيم وثعبان الملز وعقرب المرقب.
على أنني للأسف لست من رواد هذه المدرسة ولن أصلح لأكون عضواً فيها، لأنني للأسف خارج فصيلة السباع والوحوش المفترسة، فإن كان الأمر ولا بد ملزماً فإنني اختار أن أكون قطو الرائد وحسبنا الله ونعم الوكيل.