دخلت المملكة منعطفا هاما في الألفية الحديثة بتغير سياساتها تجاه بعض القضايا خصوصا تلك التي تتعلق بأمنها القومي، وعلى وجه التحديد الملف الإيراني. في الماضي القريب كانت أميركا القوة العظمى المتفردة بصناعة القرار في العالم، خاضت خلال تلك المدة حروبا عديدة ظاهريا، وفي الخفاء نتج عن ذلك تحملها تبعات اقتصادية أرهقت حكوماتها المختلفة.
في ذات التوقيت ومع كل تلك المعارك التي دخلتها أو أدخلت نفسها فيها كانت الأصوات في الداخل الأميركي تتعالى من قبل الكثيرين بضرورة وقف تلك الحروب، لكن المحصلة النهائية التي أفرزتها تلك الحروب هيمنة كبيرة لبلد العم سام، أصبح خلالها شرطي العالم الأوحد الذي يدير كل شبر في أرجاء المعمورة.
حين تخلت أميركا عن دورها العسكري لوهلة، كشر الدب الروسي عن أنيابه وخصوصا في الشرق الأوسط، وأصبح صاحب كعب عال في كثير من الملفات أبرزها الملف السوري والحرب الدائرة هناك التي تغيرت موازينها على وقع مجرى تلك المعارك.
اليوم تدفع أميركا غاليا ثمن تخليها عن دورها الأمني الذي أحكمت من خلاله على أرجاء المعمورة، رغم ما تحملته من أعباء على المستوى الاقتصادي، إلا أن الدب الروسي دخل خلال تلك الحقبة في فترة بيات شتوي طويل لم يفق منه إلا حين نام صناع القرار الأمني في واشنطن، لتأخذ روسيا زمام المبادرة مجددا في المنطقة العربية والشرق الأوسط، لم تنتظر المملكة العربية السعودية الآخرين لتأمين نفسها وقطع الخطر الإيراني الممتد عبر أذرعها العديدة سواء في اليمن أو في دول أخرى كلبنان وسورية والعراق.
الضربة القاضية التي وجهتها القيادة الحكيمة عبر عاصفة الحزم قطعت الأيادي الإيرانية التي كانت تتمدد بسرعة في أرض السعيدة، بل أصابتهم في مقتل عطفا على السرعة المتناهية في اتخاذ القرار لتوجيه الضربات العسكرية لميليشيات الحوثي الإيرانية في شمال اليمن معززة بتأييد عربي وعالمي من مختلف القوى العظمى في العالم. وفي اتجاه آخر أعلنت المملكة عن تشكيل تحالف إسلامي دولي لمكافحة الإرهاب في سابقة لم يشهدها التاريخ، انضوى تحت ذلك الحلف دول عظمى لها ثقلها وتواجدها في المشهد السياسي والعسكري.
اقتصاديا يقول المراقبون إن كل تلك المعارك والتكتلات والتحالفات لها وقعها على الداخل، لكن الحقائق الثابتة أن الضرر أقل، والفاتورة لن تكون بذات القيمة فيما إذا غضت المملكة الطرف عن تلك المخاطر وتخلت عن دورها الريادي في المنطقة ولنا في صراع القطبين دلالة.
اليوم يحتاج الوطن إلى التضحية منا جميعا كمواطنين من خلال تحمل بعض التبعات الاقتصادية القادمة التي ستزول بزوال المؤثر، بيد أن تلك التبعات يجب ألا يتحملها المواطن السعودي فقط، ويحب أن يشارك فيها المقيمون من أبناء الجاليات المختلفة الذين وفرت لهم المملكة المناخات الملائمة للعمل والاستثمار في بيئة آمنة مستقرة.
هناك العديد من الأبواب التي من الممكن أن تشكل موارد كبيرة تصب في قنوات تخدم المواطن والمقيم في آن واحد دون تأثير مباشر على أي منهما، كالتحويلات المالية الخارجية التي ستتفاوت نسبها بناء على القدرة المالية لأبناء تلك الجاليات، التي وبلا شك تعتبر المملكة وطنها الثاني ولن تشكل تلك الإصلاحات المالية أي ضرر تجاهها.