عاطف آل رحاب

بالأمس تفاجأنا والعالم بقرار فلاديمير بوتين سحب قواته المقاتلة من سورية مع الإبقاء على بعضها في قاعدته البحرية في طرطوس وقاعدة حميميم، ومنذ الإعلان عن الانسحاب تبادرت إلى أذهاننا عدة تساؤلات منها: ما سبب خروجه المفاجئ بهذا الشكل؟ وماذا يتعين فعله على الشعب السوري وقواه المعارضة بعد هذا الانسحاب؟ وماذا يجب أن تفعل القوى الإقليمية المناصرة والمؤيدة للثورة السورية؟
وللإجابة عن السؤال الأول علينا أن نرجع للوراء قليلاً، حين أعلن الروس أن تدخلهم في سورية لن يدوم طويلاً، وربما سيستغرق قرابة الـ18 شهراً، وأنهم جاؤوا حسب زعمهم لمقاتلة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وأن هذه هي أهدافهم من التدخل ليس أكثر، وبطبيعة الحال ثبت عكس هذا كله ورأينا والعالم مدى تدخلهم السافر في محاولة قمع الثورة وتوجيه الضربات ضد الشعب السوري ودك الأحياء بالطائرات فوق رؤوس قاطنيها، وضرب أهداف المعارضة ومناصرة النظام المجرم، وهنا يرى الكثيرون أن الأسباب الحقيقية التي أجبرت الروس على الفرار، هي كلفة الحرب الباهظة التي كبدت الاقتصاد الروسي المريض خسائر فادحة، فها نحن اليوم وقد رأينا سعر الروبل الروسي يرتفع بعد قرار سحب القوات، بالإضافة لما تم الاتفاق أو التوافق عليه بين الروس والأميركان حيال الأزمة، والذي يبدو أنه تمهيد لرؤية البلدين أن حل الأزمة في سورية لن يكون عسكرياً وإنما عن طريق التفاوض.
الذي يتعين على الشعب السوري وقواه المعارضة فعله بعد هذا الانسحاب، أن يلتف أكثر من أي وقت مضى مع القوى المعارضة المسلحة، وأن يقدم لها الدعم الكامل معنويا وسياسيا وماديا بكل ما أتيح له من قوة، وعلى القوى السياسية التي تمثل المعارضة أن تتفق فيما بينها وتوحد كلمتها، حتى لا يتذرع النظام الإرهابي المجرم القابع في دمشق بتشتت المعارضة وضعفها وفرقة كلمتها، ويعرض نفسه أمام العالم على أنه القوة المسيطرة والفعلية والمنظمة الوحيدة على الأرض.
فالنقطة الخلافية برأيي التي تهدد الكيان المعارض هي هوية الدولة، فعلى جميع القوى المعارضة توحيد صفوفها والاتفاق على هوية الدولة وشكلها، ليتم طرحها أثناء التفاوض السياسي، حتى لا تحدث الخلافات والانشقاقات، وبالتالي ينعكس ذلك على مسار الثورة ويؤدي بها نحو المجهول.
أما ما يجب أن تفعله القوى الإقليمية المناصرة والمؤيدة للثورة السورية، فهو أن تقوم بدور أكبر لدعم ومناصرة القوى المعارضة والشعب السوري بعد هروب الروس، فالدعم العسكري والمادي يجب أن يتم تكثيفه مع إيجاد الطرق اللازمة لتدريب القوات المعارضة، لتتمكن من الدفاع عن الشعب السوري وحماية ترابه من تدخلات القوى الإرهابية كالميليشيات الفارسية وحزب الله اللبناني ومن قبلهما رأس الأفعى القابع في دمشق، مع الاستمرار في دعم اللاجئين سواء أكانوا بالداخل أو الخارج ومساعدتهم.
فبعد هذا الانسحاب الروسي باتت الفرصة سانحة ومهيأة للقوى الإقليمية لتتحرك بشكل أكثر فاعلية، دونما وجود عراقيل أو مشاكل أو صدام مع هذا الطرف المنسحب، مع الأخذ بعين الاعتبار نواياه أو ربما محاولاته للمناورة أو العبث بعد هذا الانسحاب، وقراءة ما يدور خلف الكواليس بشكل جيد، حتى لا يحدث ما لا يرجى، فيؤثر على الثورة السورية والقوى الإقليمية المؤيدة لها.