سيد الحرب والسلام، السيد ليو تولستوي كتب يوماً؛ ليعيش المرء بشرف عليه أن يتمزق بقوة، أن يخطئ، وأن يبدأ ويترك، ثم يبدأ من جديد، ومن جديد يترك، وعليه أن يناضل ويخسر، فالطمأنينة دناءةٌ روحية، وهو نفسه الذي اعتبر أن البساطة محك الفنان العظيم. مقولة تولستوي واعتباره ينطبقان على الروائي اليمني حبيب عبدالرب سروري، فما سجله من حياته في روايته ابنة سوسلوف مليئة بالتمزّق العنيف، حياة محتشدة بخيبة الحلم وانهيار آماله أمامه، مرةً بعد أخرى، سواءٌ في حلم الدولة المدنيّة الكبير، أو في تقلبات أيامه، وفقدانه لزوجته وطفله في تفجير إرهابي بفرنسا، وحتى مع الفتاة التي تعلق بها أخيراً، والتي لم يكن شيءٌ من القدر يجمع ما بينهما، لا فكرةً ولا طريقاً، إلا فيما كانا يختلسانه من الحياة المحرمة من حينٍ لآخر. ومن حيث محك البساطة، فالعمل يحفل بلغة وبناء بسيطين ومباشرين، لكنهما وبطريقة ما جعلا من الرواية شغلا جميلا وجاذبا. تدور الرواية حول التحولات الجذرية والغريبة التي مرت بمدينة عدن، بأيام اليسار، مروراً بالوحدة، ثم طغيان المد المتطرف على أدق تفاصيل الحياة اليومية.
واحدة ممن قدن هذا التحول الشنيع كانت ابنة سوسلوف، الذي كان أحد القيادات اليسارية، لكنها هربت لصنعاء من جحيمها العائلي، ليتلقفها عمل حزبي نقيض، بنعيمٍ عائلي صوري، لكنه في حقيقته جحيمٌ لا يقل مرارة ولا تناقضاً، تحميه القشرة الدينية والامتيازات والمكانة التي بلغتها الفتاة عبر جهدها ومهارتها في قلب المجتمع على نفسه ووجدانه. تنشأ بينهما علاقة خاصة وسرية. سجل السيد حبيب عدداً من الحوارات التي كان محلها الفيس بوك، لا الواقع، ولعل هذه هي الملحوظة التي تأخذ من جودة العمل، ومع أن وجود موقع كالفيس كان مبرراً، في ضوء الدور الذي لعبه الناشطون من خلاله، في تحريك الثورة وإسقاط نظام علي عبدالله صالح، إلا أنه كان يمكن تذويب الكثير من تلك السجالات بطريقة أو بأخرى داخل العمل، دون رهنها بهذا القدر الطويل بموقع على الشبكة.
حبيب عبدالرب السروري جعل من ملك الموت معبراً للانتقال من حكاية لأخرى، في رمزية على مستوى عام تتمثل فيما يرى أن اليمن يمشي إليه، وعلى مستواه الشخصي، والذي يحيط الموت به وبماضيه وأحلامه ومستقبله. الرواية صدرت عن دار الساقي في العام 2014 وهي بلا شك عملٌ شجاع، ونافذة جريئة لفهم ما كان وما تغير، وما هو قائم، بداخل اليمن.