الأساطير تعبير عن مشاعر إنسانية لها مدلول فلسفي، وهي كثيرة، بعضها اندثر وغاب عن الذاكرة، وتاريخ الأدب العربي وثق الكثير منها لكنها بقيت جامدة دون تحليل أو تعليق كحي بن يقظان، بينما أسطورة روبنسون كروز التي وثقت في القرن الـ 17 الميلادي، والتي يذكر الكثير من النقاد أنها مستقاة من أسطورة حي بن يقظان التي ترجمت إلى عدة لغات أوروبية في بداية القرن الـ 17 أصبحت أعظم قصة أسطورية في تاريخ الأدب الأوروبي، وأساساً لعدد من قصص الأساطير والأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية كطرزان والليث الأبيض وماوكلي، وكذلك مسرحيات وروايات وقصص، في حين أن أسطورة حي بن يقظان بقيت في بطون الكتب وفي ذاكرة التاريخ، لكن أسطورة مقلع طميه دغدغت مشاعر الأمير خالد الفيصل وتعمق في مفاهيمها وأخرجها في قالب شعري معبر، فأحيا هذه الأسطورة التي كادت أن تتلاشى من ذاكرة سكان المنطقة وبقيت حكراً على كبار السن من البادية الذين يقطنون تلك الأماكن، ولذلك انتشرت هذه القصة وتناولها النقاد وجلب وهجها رجال الإعلام وصناع السياحة.
إن المتتبع لتاريخ تلك المناطق الصحراوية ذات الخشونة والسهول الخاوية والمناخ القاري يحار عجباً، كيف أن سكانها أبدعوا في الشعر على أنواعه وسطروا أجمل وأحلى روائع الغزل في التاريخ، بداية بقيس ومرورا بعنترة وعمر بن أبي ربيعة وانتهاء بعبدالله بن سبيل وابن لعبون وحمد القاضي والهزاني وكذلك العوني، كيف رق وجدان هؤلاء بالهوى وبارح العشق والتغني بالجمال وأزهار الأشواق والشكوى من الفراق في حين أن الجزيرة العربية يغلب عليها القفار الموحشة والصحارى اللافحة، هذه للأسف لم يسبر غورها كاتب أو محلل ولم يخضعها أحد الأدباء للبحث والدراسة.
نعود إلى قصة العشق التي جسدتها الأسطورة بين طميه وعشيقها قطن والتي تقول إن حجارة طميه زحفت وتناثرت في طريقها إلى جبل قطن الذي يبعد عشرات الكيلومترات من مقلعها، وهي بالتأكيد أسطورة تعبر عن مكنونات نفوس سكان المنطقة وميلهم إلى التغني بقصص العشق والهيام، الشيء الذي عبر عنه الأمير خالد الفيصل بقصيدته التي يقول فيها:
انتزع قلبي مثل نزعة طميّه
يوم هزّ العشق راسيةَ الجبال
ساقها سُوق المبشْر للمطيّه
لين عاشتْ مع قطن حلم الليالي
وصارت أسطورة هوى بين البريّه
وصار مجراها مثارٍ للخيال
شقْت الصحرا طريقٍ مستويّه
من حَجَرها ومن شجرها فيه تالي
الهوى خلى الجبل يَتْبَع خويّه
يزحف الايام في روس العوالي
كيف انا والقلب والاشواق حيّه
وهزني هزة طميّه شوق غالي
لقد عبر الشاعر خالد الفيصل بصدق وعفوية عن مكنونات نفسه، كيف لا وهو يعيش لحظة إبداع ورقة حين مر بالمكان وهو يرى من الطائرة مقلع طميه الجبل الذي هزه الشوق ويتسامى رقة وهو من حجارة صماء جامدة.
ثم يصف نوعية الشوق الذي هرولت بتأثره الحجارة كما كان يجري الفتى الذي طار من الفرح بعد أن عثر على المطيه الضائعة وسط الصحراء المترامية، وقد عمقت هذه الأسطور معالم الهوى في قلوب البادية، يتسامرون بذكرها ويصفون مسارها ويتندرون بمعجزاتها، ثم يعود الشاعر الملهم بعد أن نسي نفسه في خضم هذه الأسطورة ويسائل روحه كيف؟ وهو يتمتع بحس مرهف ومشاعر جياشة وفكر مستنير متجدد وفوق ذلك هو آدمي من لحم ودم وإحساس.
لقد جسد هذه الأسطورة في أدبنا وفتح الباب على مصراعيه لمصدر من مصادر الخير لتلك المنطقة، بتأسيسه صرحاً سياحياً يروم المواطن والوافد إلى روايته، ويعيش الروائي على تفاصيله ويجسد الأديب حكايته، إنها حسنة من حسنات الأمير الشاعر خالد الفيصل.