هناك حقيقة يجب أن نواجهها، وهي أن كثيرا من أبنائنا وبناتنا يعملون في أعمال متدنية وبرواتب متدنية، ولا نأبه لمستقبلهم على حساب خفض أرقام البطالة، هؤلاء هم بطالة

بلغ عدد المواليد السعوديين قبل 25 عاما 400 ألف مولود ومولودة في السنة، أي مولود كل دقيقة ونصف الدقيقة، وهذا يتطلب إيجاد وظيفة لهؤلاء الشباب والشابات، حيث بلغت أعمارهم (هذه السنة) 25 سنة، أي أننا بحاجة اليوم إلى إيجاد وظيفة كل دقيقة ونصف الدقيقة (ليل نهار طوال الأسبوع حتى أيام العطل والإجازات) طوال السنة. هكذا يُنظر في الاقتصاد مع افتراض أن العام الماضي تم توظيف جميع من هم أعمارهم فوق 25 سنة.
وبلغ عدد المواليد السعوديين العام المنصرم 2015 أكثر من 540 ألف مولود، أي مولود/ مولودة كل دقيقة، ولذلك يتطلب إيجاد وظيفة لهؤلاء بعد 25 عاما تقريبا، والحال تنطبق على سنوات مضت وسنوات ستأتي وهكذا. التخطيط البنّاء ليس للوظيفة فقط، بل للخدمات التعليمية والصحية والسكنية وغيرها.
أوضح تقرير مسح القوى العاملة للنصف الأول من عام 2015 لمصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات وجود 3.28 ملايين طالب وطالبة سعوديين ممن أعمارهم فوق 15 سنة، أي أنهم سيدخلون سوق العمل خلال السنوات العشر القادمة ابتداء من هذه السنة.  وأوضح التقرير أن عدد الموظفين الحاليين في القطاعات العام والخاص والعسكري والذين أعمارهم فوق سن الخمسين 691 ألف شخص، وهؤلاء يتوقع تقاعدهم خلال السنوات العشر القادمة.  عند طرح عدد المتقاعدين من الداخلين إلى سوق العمل نجد أننا بحاجة إلى خلق 2.59 مليون وظيفة خلال السنوات العشر القادمة، أي بمعدل 22 ألف وظيفة جديدة شهريا، أي بمعدل ألف وظيفة جديدة في (كل يوم عمل) طوال السنوات العشر القادمة.
كما أوضحت معلومات على موقع صندوق تنمية الموارد البشرية أن عدد الباحثين عن العمل حاليا أكثر من 1.5 مليون مواطن ومواطنة خلاف ما ذكرناه أعلاه، والذين يفترض أنهم وجدوا وظائف مناسبة أمس، هؤلاء عددهم أكثر من موظفي القطاع العام الذي يصل إلى 1.2 مليون موظف وموظفة سعوديين، وتقريبا يساوي عدد موظفي القطاع الخاص 1.7 مليون سعودي وسعودية.
إذا ما افترضنا جدلا أننا وظفنا الـ1.5 مليون شخص بالأمس، فعلينا إيجاد ألف وظيفة في كل يوم عمل أو 22 ألف وظيفة شهريا طوال السنوات العشر القادمة، أي أن سوق العمل السعودي بحاجة إلى بناء شهريا شركة بحجم شركة الاتصالات السعودية التي يعمل بها 17 ألف موظف مباشر و5 آلاف موظف لمقاولي الشركة، هذا طبعا شهري طوال السنوات العشر القادمة.
وللمقارنة بالشركات الأخرى، فإن عدد موظفي شركة أرامكو السعودية تقريبا 52 ألف موظف وموظفة، سابك 33 ألفا، الكهرباء السعودية 28 ألفا، جميع البنوك 40 ألفا، فالمجموع تقريبا 150 ألفا، أي أننا بحاجة إلى بناء شركات وبنوك جديدة بحجم هذه الشركات الثلاث والبنوك كل 5 أشهر طوال السنوات العشر القادمة.
الوظائف التي يتم إيجادها حاليا غير مجدية، وهناك حقيقة يجب أن نواجهها وهي أن كثيرا من أبنائنا وبناتنا يعملون في أعمال متدنية وبرواتب متدنية ولا نأبه لمستقبلهم على حساب خفض أرقام البطالة، هؤلاء هم بطالة ولكن تعمل أعمالا بسيطة وبعضهم لا يعمل ولكن مسجل في وظيفة وهمية. مع كل توظيف يجب أن نفكر بمستقبل ذلك الشخص وكيف سيكون وضعه بعد عقد من الزمان وعقدين وثلاثة عقود، ونفكر بالأجيال التي سيعولها وسيربيها، وقد نكون نسهم في تحضير لمقادير كارثية مستقبلية لا نعي خطورتها الآن، فمن يعمل على البناء اليوم يجب أن يستدرك حاجة ومستقبل الوطن وليس أداء عمله بتوليد الوظائف للحظة.
علينا أن نبني الاقتصاد لمنافسة الدول المتقدمة بكوادرنا البشرية، ولن نستطيع البناء ما لم نتقدم بالابتكارات والتكنولوجيا والصناعات العملاقة والخدمات المتقدمة.