عمر أحمد آل عثمان
في غمار الأزمة التي تمر بها العلاقة السعودية اللبنانية يعوّل العديد من الساسة والكتاب والإعلاميين على ما صدر في البيان السعودي بأنه رد فعل طبيعي حيال تصرفات حزب الله الإرهابية والتخريبية المعادية للمملكة في الداخل والخارج في ظل غياب اعتراض الحكومة والعديد من الفصائل على تصرفات الحزب، ذلك الحزب يعد فصيلاً لبنانياً مسلحاً متواجدًا على ساحة لبنان السياسية والعسكرية، والذي يستمد وجوده من عقيدة ولاية الفقيه والتي تتجسد في روح إمامهم الخميني، الأمر الذي يوضح خنوعاً واضحاً للإرادة الإيرانية بالدرجة الأولى يقابله لامبالاة بالمصالح الوطنية اللبنانية.
لكني أرى الأمر من منحى آخر، فالمملكة بثقليها السياسي والاقتصادي، وقفت إلى جانب لبنان تسند ضعفه، وتفكك الألغام في تركيبته، وتدعم خياراته، وتوفق بين أطرافه دون تمييز وانحياز لفريق دون آخر، ودون شروط ومعايير سياسية أو طائفية أو مذهبية، كما أن المملكة ترى في لبنان الشقيق المكلوم المحتاج إلى رعاية ومساندة سياسية واقتصادية، خاصّة أنّه مرَّ بفترات عصيبة، ولم يتسنَ له أن يخرج كليّاً من أزماته المتلاحقة. ويتجلى ذلك في استقبال اللبنانيين وتأمين فرص العمل لهم، والذين يعدون أكثر من 300 ألف، ويشكلون أكبر جالية عربية مستثمرة داخل المملكة بمن فيهم الرئيس رفيق الحريري رحمه الله، إضافةً إلى محاولة إنهاء الحرب الأهلية في قمة الرياض عام 1976، واستضافة النواب اللبنانيين لإنجاز اتفاق الطائف ودعم لبنان سياسياً في المحافل الدولية والمشاركة الكبيرة في عملية الإنماء والإعمار، نحن لا نذكر ذلك حتى نمنّ على لبنان بذلك، بل بالعكس لإحياء دلائل رعاية واهتمام ومحبة المملكة للشقيق لبنان منذ عصر الملك عبدالعزيز والتي تبناها أبناؤه الملوك من بعده، ولتلك المحبة صور عديدة منها العطاء والمساندة والدعم، والذي يدل عليها ما تقدم ذكره، ولكن أهمها العتب، للعودة إلى جادة الصواب، وهذا ما قامت به المملكة لإنقاذ لبنان حينما وجدت الحكومة والقوى والفصائل اللبنانية متخاذلة أمام فصيل سياسي إرهابي متنمر يفتعل أعمالاً تتعارض جملةً وتفصيلاً مع مصالح الدولة اللبنانية، ويسيء إلى مكانتها في العالمين العربي والإسلامي، وأستشهد هنا بكلمة الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز – رحمه الله – حينما قال: إنَّ رعاية لبنان واجب علينا جميعاً، ومن يقصِّر في دعم لبنان فهو مقصِّر في حقّ نفسه وعروبته وإنسانيته، فالمملكة كانت وما زالت وستظل داعمة حريصة لحفظ السيادة اللبنانية من الاختراقات الخارجية، وداعمةً لأمن واستقرار الداخل اللبناني، وعلى اللبنانيين أن يخرجوا أنفسهم من السرادق المظلم الذي أوقعهم فيه الحزب المسمى زوراً وبهتاناً بحزب الله، فلطالما شهدنا قوة العزيمة اللبنانية في التغلب على كل المصاعب والمشاكل مهما اشتدت، والتاريخ شاهد على ذلك.