كشفت مصادر إعلامية إسرائيلية عن تزايد وتنامي العلاقات الإسرائيلية مع أكراد العراق وخروجها إلى دائرة العلن، بعد أن كانت طوال العقود الماضية حبيسة السرية، منذ بدء تشكيلها خلال أربعينات القرن الماضي. مشيرة إلى أن حالة التشظي السياسي والانقسام الحاد التي يعيشها العراق ربما أسهمت في ذلك، لاسيما بعد مجاهرة الأكراد بالرغبة في الاستقلال عن العراق، وتكوين دولتهم الخاصة، أو التمتع بالحكم الذاتي، على أقل تقدير.
ونال الأكراد خلال الفترة الماضية دعما كبيرا من دولة الاحتلال، التي ترى فيهم مجموعة عرقية تشكل حائط صد بينها وبين الدول العربية، وسعت تل أبيب إلى الحصول على دعم أميركي للمجموعات الكردية، ولم تدخر وسعا في سبيل تطوير المقدرات العسكرية للأكراد، وأرسلت إليهم عددا من أبرز خبرائها العسكريين، لتدريب وتأهيل المقاتلين الأكراد، على أساليب الكمائن العسكرية وحرب العصابات، بسبب عدم مقدرتهم على الدخول في مواجهة مباشرة مع الجيش العراقي الذي يمتلك طائرات حربية وجنود على أعلى مستويات التدريب.
وأشار الخبير العسكري الإسرائيلي أوري مليشتاين، في مقال بصحيفة معاريف إلى أن العلاقات العسكرية بين الجانبين تعود إلى عام 1966، حين تمكن الجنرال الإسرائيلي تسوري ساجيه من مساعدة كتيبتين كرديتين على خوض حرب استنزاف ضد الجيش العراقي، أسفرت عن مقتل ثلاثة آلاف جندي منه، مضيفا أن الجذور التاريخية للتعاون الإسرائيلي الكردي تعود إلى رغبة إسرائيلية واضحة قبل حرب الأيام الستة عام 1967 في إشغال الجيش العراقي بالأكراد، وبالتعاون مع الاستخبارات الإيرانية لتدريب عشرات الضباط الأكراد على تنفيذ عمليات مسلحة داخل العراق، وقد تم إرسال ساجيه بالفعل إلى إيران بصحبة اثنين من كبار الضباط الإسرائيليين المظليين، وهما يهودا بار وعوزي فرومار، والخبير في العمليات المسلحة ناتان راهاف.
تدريبات عسكرية متقدمة
أصدر رئيس الموساد في ذلك الوقت، مائير عميت، أوامره لساجيه بالذهاب إلى كردستان وتطبيق التدريبات التي لقنها للمسلحين الأكراد على الطبيعة الميدانية هناك، بصحبة عدد من رجال الموساد، أحدهم يتقن اللغة الكردية، حيث التقى بابني الزعيم الكردي مصطفى البارزاني، إدريس ومسعود.
وتختم الصحيفة مقالها بالإشارة إلى أن الأكراد يدينون بالفضل في وجود هذه القدرات العسكرية لديهم إلى إسرائيل التي قدمت لهم مساعدات كبيرة، أملا في أن يتمكنوا ذات يوم من تكوين دولتهم المستقلة، وأن تصبح حليفة لهم، في منطقة مليئة بالأعداء.
ورغم تركيز الزعيم الكردي التاريخي، مصطفى بارزاني على توطيد العلاقات مع إسرائيل، لاسيما في المجال العسكري، إلا أن غالبية الأكراد لم يكونوا راضين عن ذلك التعاون، نسبة إلى أن غالبيتهم من المسلمين، مما دفعه إلى عدم الحديث عن ذلك التعاون بصورة رسمية، خوفا من إثارة المشاعر الدينية ضده. وحرصت القيادات الكردية المتعاقبة على نفي وجود هذا التعاون، وهو ما كرره مسعود بارزاني قبل عدة أشهر، وتولت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية الرد عليه، عندما نشرت تقريرا عن قيام جنود إسرائيليين بتدريب أكراد شمال العراق، بينهم نساء، على حمل السلاح، ونشرت صورا لعمليات التدريب، من بينها صورة امرأة كردية تتدرب على يد إسرائيلي، وهي محجبة.
إخفاء هوية الإسرائيليين
كشف الفيلم الوثائقي أن القادة الأكراد أخفوا عن الجنود حقيقة أن الخبراء الذين يتولون تدريبهم من إسرائيل، لذلك استعانوا بمترجمين يتقنون العبرية لتلقي التعليمات من المدربين وإبلاغها للجنود، خوفا من أن يتسبب الكشف عن جنسياتهم في مشكلات مع الجنود الذين لدى بعضهم حساسية كبيرة من التعاون مع اليهود، لاعتبارات دينية. وأضاف أن الجنود الإسرائيليين اضطروا خلال عام 2005 إلى مغادرة المنطقة، بعد أن أبلغهم الأكراد عن انكشاف أمر وجودهم، موضحة أن تل أبيب قدمت عن طريق شركات أمنية معدات اتصالات وأمن تبلغ قيمتها 150 مليون دولار.
وقال إيربين إن تركيا أبدت اعتراضها على تزايد التعاون بين إسرائيل والأكراد، وهددت بأن من شأن ذلك أن يؤدي إلى إشكاليات كثيرة بين أنقرة وتل أبيب، مما دفع الأخيرة إلى إبطاء معدلات التعاون بينهما. كما ركز الجيش التركي في عملياته ضد مقاتلي حزب العمال على تدمير الأجهزة والمعدات التي جلبتها إسرائيل للأكراد.
الاستئثار بالنفط العراقي
حاول قادة إقليم كردستان الاستفادة من علاقتهم بدولة الاحتلال الإسرائيلي، لتعزيز ودعم الاقتصاد في الإقليم عبر تسويق وبيع نفط الإقليم، عندما تزايدت خلافاتهم مع رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي. ووجدت تل أبيب الفرصة أمامها للحصول على النفط العراقي الذي طالما حلمت به، وسعت إلى الحصول عليه بأبخس الأثمان. ومضى الجانبان في خطط بيع النفط لتل أبيب، حيث تؤكد مصادر عراقية أن العشرات من حاملات النفط العراقي كانت ترسو شهريا في ميناء حيفا، وكشفت وثائق ويكيليكس عن مراسلات بهذا الخصوص بين نتانياهو والإدارة الأميركية، إضافة إلى تأكيده هذا الأمر لدى لقائه ببنجامين كاردين، ممثل الرئيس الأميركي عام 2009.
كما وقعت أربيل اتفاقا مع تل أبيب، يقضي بسماح الأخيرة بتصدير السيارات والشاحنات المستعملة للأولى، وهو الاتفاق الذي سعى إلى عقده وزير المواصلات الإسرائيلي، يسرائيل كاتس. كما أقر نتانياهو – عندما كان وزيرا للمالية، قبل تسلمه منصب رئيس الوزراء - لكبار رجال الأعمال والمصدرين الإسرائيليين التعامل والاستثمار التجاري مع أربيل، مما مكنهم من تنشيط التبادل التجاري في مختلف الميادين والمجالات دون تعرضهم لأي مساءلة قضائية. ومن اللافت أن التعامل الاقتصادي بين إسرائيل وإقليم كردستان لم يعد سرا، بل إن وزير الموارد المعدنية في الإقليم، أشتي هورامي، قال إنه لتجنب رصد النفط الذي تقوم حكومته ببيعه، خارج إطار الدولة الاتحادية، يتم تهريبه في كثير من الأحوال عن طريق إسرائيل، حيث ينقل مباشرة بين سفن راسية قبالة ساحل مالطا، وإن سفنا خداعية استخدمت لزيادة صعوبة متابعتها من جانب بغداد.
مبادئ القرصنة الإسرائيلية
عزا وزير المعادن في إقليم كردستان عمليات تسريب النفط وبيعه في الخارج بتزايد الخلافات بين بغداد وأربيل، وقال في تصريحات صحفية، في سبتمبر من العام الماضي، تعرضنا للتمييز ضدنا ماليا لفترة طويلة. وفي عام 2014 عندما لم نتسلم الميزانية قررنا أننا بحاجة إلى البدء في التفكير بمبيعات مستقلة للنفط.
ويشير هورامي إلى أن كردستان لا تبيع النفط لإسرائيل فقط، بل إن هناك أطرافا أخرى يشترون النفط، وأن ميناء حيفا يشهد توقيع عمليات بيع كبيرة. وأضاف أنه حتى نوفمبر الماضي ارتفع عدد الدول التي تستقبل النفط الكردي 2015 إلى حوالى عشر، دون أن يذكر أسماءها.
وأضاف كانت لعبة جديدة تماما علينا. فقد أراد المشترون أن تستأجر حكومة كردستان ناقلات خاصة للنفط الخام، ولم نكن نعرف شيئا عن صناعة الشحن أو النقل البحري. واستفدنا في هذا المجال من علاقتنا بوسطاء إسرائيليين أفادونا في إكمال عمليات البيع. وسوف نواصل في هذه السياسة حتى نتوصل إلى اتفاق مالي مع الحكومة الاتحادية، لأنه لا يمكننا العودة إلى الترتيبات القديمة مع بغداد، وتوسيع الفجوة المالية مرة أخرى. وسنقبل ميزانية حقيقية تلتزم بها الحكومة الاتحادية دون شروط، لكننا لا نريد أن نكون طرفا في ميزانية افتراضية لا تساوي قيمة الورق المكتوبة عليه.
حديقة اليهود الخلفية
للتدليل على اهتمام إسرائيل بتكوين علاقة مميزة مع أكراد العراق، أشارت الصحيفة إلى أن العلاقات بين الجانبين بدأت عام 1943، أي قبل قيام دولة إسرائيل بخمس سنوات، لأن الأخيرة كانت تتوقع أن تواجه حربا عربية شرسة، لذلك أرادت تكوين دويلة في المنطقة تتبع لها بالولاء، وتكون بمثابة الحديقة الخلفية لها، تلجأ إليها عند الحاجة.
وبدأت العلاقات المتزايدة بين الجانبين في جذب اهتمام وسائل الإعلام العالمية، حيث عرض موقع قناة بي بي سي البريطانية، الشهر الماضي، فيلما وثائقيا أكد أن الجنود الإسرائيليين كثفوا عمليات التدريب عقب انهيار نظام صدام حسين، وأنه خلال الأعوام الماضية قام خبراء إسرائيليون بتدريب جنود أكراد على حماية مطار جديد وعلى عمليات مكافحة الإرهاب، شمالي العراق.
وقال الصحفي مارك إيربين، الذي أعد الفيلم، في تصريحات صحفية إن قادة عسكريين إسرائيليين على مستوى رفيع أشرفوا مباشرة على عمليات التدريب، وإن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تولي أهمية قصوى للتعاون العسكري بين الجانبين، وتنفق أموالا طائلة في هذا الصدد، حيث قامت بتزويد مطار في أربيل بمعدات وتدريب مقاتلين من قوات البيشمركة على العمليات الخاصة.
اعترافات نتانياهو العلنية
لم يقتصر التعاون بين إسرائيل والمجموعات الكردية على الجانب العسكري فقط، بل شمل المجالين السياسي والاقتصادي، حيث بذلت تل أبيب جهودا كبيرة لأجل تقديم الدعم لحليفها الكردي، ومن أكثر السياسيين الإسرائيليين الذين سعوا إلى دعم الأكراد رئيس الوزراء الحالي، بنيامين نتانياهو، الذي نظر للمجموعات الكردية على أنها حليف استراتيجي يمكن الاستفادة منه في تكوين حائط صد عرقي بين المنطقة العربية ودولة الاحتلال. وتمادى نتانياهو في مواقفه الداعمة للأكراد، وبلغت أوجها عندما دعا المجتمع الدولي إلى دعم قيام دولة كردية، مخالفا مواقف الولايات المتحدة التي شددت كثيرا تأييدها على بقاء العراق موحدا.
وقال نتانياهو في خطاب أمام معهد أياناساس البحثي التابع لجامعة تل أبيب، في أكتوبر 2014 هناك انهيار في العراق وغيره من مناطق الشرق الأوسط التي ترزح تحت صراعات بين السنة والشيعة، وعلينا أن نؤيد الجهود الدولية والتطلعات الكردية من أجل الاستقلال. فالأكراد أثبتوا أنهم شعب مناضل لديه التزام واعتدال ويستحقون الاستقلال السياسي. إلا أن وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، حذر من مغبة مثل هذه التصريحات، مشيرا إلى أنها سوف تعمق الخلاف التركي الإسرائيلي. كما قام بزيارة لإقليم كردستان العراق، ودعا قادته إلى السعي من أجل الاندماج السياسي مع بغداد.