ربما تتغير لغة إيران السياسية لكن لن تتغير مبادئها، فمن الواضح أن هنالك خشية ما زعزعت النظام الإيراني بعد تصريح وزير الخارجية السعودي بأن السعودية قد تسعى إلى امتلاك السلاح النووي إذا ما امتلكته إيران
يبدو أن حكومة الجمهورية الإسلامية قد استوعبت أخيرا أن موقف المملكة الحازم تجاه عبث سياساتها في المنطقة لن يمر مرور الكرام، بل يمكن أن يصل إلى مدى أبعد إذا ما استمرت بالتصعيد.
ففي الوقت الذي هاجمت فيه عناصر إيرانية السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد -على مرأى من رجال الشرطة- ونهبوا محتوياتهما وأحرقوا مبنييهما، لم يدر بخلد السياسي الإيراني أن الأمر سيتطور إلى قطع العلاقات الدبلوماسية، ولم يدر بخلده أيضا أن يصل السيل الزبى بالنسبة للسعودية بعد صبر على الحمق السياسي الإيراني طوال 37 عاما.
وبعد أيام من إعلان محمد علي جعفري رئيس الحرس الثوري تجهيز إيران لـ200 ألف مقاتل في المنطقة العربية، حاول مرشد الثورة علي خامنئي التغطية على هذا الإعلان السافر -في محاولة لاحتواء الحزم السعودي- واصفا بشكل متأخر الهجوم على البعثات الدبلوماسية السعودية بأنه أمر مسيء، وهذا لا يعني الاعتذار الصريح عن ذلك الجرم بطبيعة الحال.
والمتابع للشأن السياسي في المنطقة يجد أن السياسة الإيرانية بعد الحكم الخميني تقوم على التصعيد، وأن التصرف السياسي للسعودية إنما هو ردة فعل معاكسة للفعل بالاتجاه، لكنها ربما قد تفوقه قوة وحزما، خاصة أن السياسة السعودية فيما يخص علاقتها بكل جيرانها تقوم على أسس حسن الجوار، ما لم يظهروا العكس، والنظام الإيراني مع الأسف الشديد أظهر عدم احترام الجوار طوال العقود الأربعة الماضية، على الرغم من أن العلاقة التاريخية بين الرياض وطهران قبل الثورة الخمينية كانت جيدة جدا، وكانت الخلافات النادرة التي حدثت سياسية بحتة، وما إن تلبث حتى تعود فيها المياه إلى مجاريها، ولم يكن للشعبين دور في أي حشد طائفي طوال خمسة عقود ونصف العقد سبقت الثورة الخمينية، هي فترة حكم الشاه رضا بهلوي وابنه محمد من بعده.
ورغم احترامنا الشعب الإيراني وتشكيلاته الدينية والثقافية، فإن الثورة التي قام بها الشعب الإيراني ما بين عامي 1977 - 1979، قد صودرت بعد أن ضحّى الشعب فيها من أجل ما اعتقد بأنه سوف يسهم في حصوله على حقوقه المدنية والسياسية، إلا أن رجال الدين بقيادة الخميني قد صادروا الثورة وحقوق الشعب الإيراني معا، فكرسوا القمع وتصفية الطيف السياسي بأشكاله المتعددة، بالاعتماد على القتل والإرهاب والإعدامات والسجون المظلمة، فتحولت دولة إيران المدنية إلى دولة بوليسية، ولم يكتف النظام السياسي الخميني بقلب نظام الحكم، بل قام بانقلاب ثقافي صودرت فيه القيم المدنية للدولة والمجتمع، عبر إتاحة الفرص للفكر الديني المتطرف القائم على الإرهاب والقمع، للتحكم لعرقلة سيرورة التاريخ وتطور المجتمع.
لم يعد النظام السياسي الإيراني موجها ضد شعبه فقط، بل ضد الجيران أيضا، وهو ما أكده البند الخامس من المادة الثانية في الفصل الأول من الدستور الإيراني: الإيمان بالإمامة والقيادة المستمرة، ودورها الأساس في استمرار الثورة التي أحدثها الإسلام، وهذا يحيل إلى أنه لا اعتراف بقيادة لغير الملالي الإيرانيين في العالم الإسلامي، وتدعم هذا التوجه وصية الخميني بتصدير الثورة إلى خارج إيران، ولم تتحسن علاقات إيران بجيرانها نسبيا سوى في فترة حكم الإصلاحيين، خاصة في عهد الرئيس محمد خاتمي، إلا أنه اتضح أن هذا التحسن طارئ وليس أساسيا في السياسة الإيرانية، كان الهدف منه تخفيف المقاطعة الدولية على الداخل الإيراني، وقد انتهى هذا الأمر حين أراد الذين يملكون زمام الأمور ذلك، وهم الملالي.
ربما تتغير لغة إيران السياسية لكن لن تتغير مبادئها، فمن الواضح أن هنالك خشية ما زعزعت النظام الإيراني بعد تصريح وزير الخارجية السعودي بأن السعودية قد تسعى إلى امتلاك السلاح النووي إذا ما امتلكته إيران، بالإضافة إلى المذكرة التي أعدتها وزارة الخارجية السعودية والتي تحوي 58 دليلا قاطعا على ممارسة إيران النهج الإرهابي في سياساتها، وعدم تورع النظام عن فعل أي شيء، بدءا من أزمة احتجاز الرهائن الأميركيين منذ إعلان قيام الثورة الخمينية، مرورا بحوادث اغتيال السياسيين والدبلوماسيين، ودعم المنظمات الإرهابية، وإثارة القلاقل والفتن.
وربما لم يتوقع الإيرانيون أن السفير السعودي الذي خططوا لاغتياله سيصبح وزيرا للخارجية، وهو الذي أكد أخيرا في مقالة نشرتها صحيفة نيويورك تايمز أن إيران من الصعب أن تتحول من دولة مارقة إلى دولة محترمة وسط المجتمع الدولي، وهذه الحقيقة يجب أن يعيها السياسيون الإيرانيون قبل غيرهم، إذا ما أرادوا الإثبات أنهم يرغبون في العيش بسلام في هذا العالم.