يقيم النظام الإيراني، تحت غطاء علاقاته الدبلوماسية الرسمية مع العرب، علاقات تحالف مع حركة أو حزب داخل كل بلد، ثم ينفخ فيه بالدعم حتى يخرجه عن سيطرة حكومته

نصف الشعب السعودي تقريبا دون سن الـ35، أي أنهم لم يرصدوا سلوك إيران مع المملكة خصوصا والعرب عموما، منذ قيام الثورة في إيران حتى اليوم، وإطلاع هؤلاء الشباب على هذا السلوك واجب لا بد أن تقوم به مؤسساتنا التعليمية والإعلامية.
العلاقة الفارسية العربية لم تكن يوما صافية من قبل الإسلام وحتى اليوم، وأغلب الظن أنها ستبقى كذلك أبدا، ولقد ساءت أكثر منذ ثورة الخميني ونظامه الذي يجعل تصدير الثورة في أولوياته.
كان يمكن للنظام الإيراني أن يطل على العالم من شرفة التاريخ الفارسي، ضمن قواعد العلم والسياسة في عالم اليوم، وسيرحب به حتى خصومه، لكنه بدلا من ذلك يحاول،عبثا، أن يطل من شرفة العرب ناصرا وحيدا لقضاياهم، ومن شرفة المسلمين ممثلا وحيدا لهم، ومن شرفة العالم لسانا وحيدا للمظلومين، كل ذلك دون أي اعتبار للتاريخ ولا للجغرافيا ولا حتى للواقع الذي اختلف كثيرا عما كان عليه أيام كسرى.
نحترم الفرس وتاريخ الشعب الإيراني، لكن النظام الإيراني لا يترك فرصة إلا واستغلها للإضرار بجيرانه العرب، وبالعالم أيضا، رافعا شعارات مضللة يوزعها على من تنطلي عليه من المغفلين العرب.
شعارات لا تشكل له أي غاية حقيقية، وإنما انتزعها من الصراع المرير بين العرب وإسرائيل من ناحية، وبين المسلمين واليهود من ناحية ثانية، وصاغها بألفاظ قصوى ساذجة الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام، وصدّقه نفر من العرب والمسلمين والقوميين الغاضبين أصلا من حكوماتهم، دون أن يدققوا في ماذا تعني الشعارات لإيران نفسها، ولا في أي منعطف في تاريخها يمكن أن نجد تبريرا لهذه الشعارات.
فلا مشكلة بين إيران وإسرائيل، ولا بين أميركا وإسرائيل، بل إن أهدافهم في المنطقة كلها تكاد تكون متناغمة من أفغانستان إلى العراق إلى سورية، وعلى كل حال، ولمن في أذنه صممٌ، فالرئيس الإيراني حسن روحاني قال قبل شهور إن هذه الشعارات: ليست إلا عبارات داخل أدبيات الثورة الإيرانية فحسب، وليست أساسا لسياسة النظام.
ووجد النظام الإيراني بائسين يستجيبون له، وينبطحون لغوايته، فجعل منهم سكاكين على رقاب حكوماتهم، وعِصِيّا في عجلات إرادات شعوبهم.
يقيم النظام الإيراني، تحت غطاء علاقاته الدبلوماسية الرسمية مع العرب، علاقات تحالف مع حركة أو حزب داخل كل بلد، ثم ينفخ فيه بالدعم حتى يخرجه عن سيطرة حكومته، فعلها في العراق ولبنان واليمن، ومحاولاته مستمرة في أكثر من بلد عربي.
إيران لا تجد فرصة لهذه السياسة في بلد مثل تركيا السنيّة بحكم النظام العلماني هناك، ولأن تركيز إيران منصبٌّ -لعقدة تاريخية- على الجوار العربي؛ خصوصا السعودية والعراق ومصر، بما لكل منها من رمزية راسخة في الوجدان العربي الإسلامي.
لا يوجد نظام في العالم يتبجح بمناسبة ودون مناسبة بقدراته العسكرية، ويتوعد ويهدد في الطالعة والنازلة مثل نظام إيران.
لكن التاريخ يؤكد أن للفرس حكمة تمنعهم من خوض حروب مباشرة مع غيرهم، لأسباب إستراتيجية، ولهذا يكتفون دائما بوكلاء من خارجهم، ووجدوا مثل هؤلاء الوكلاء من العرب أنفسهم ضد العرب منذ المناذرة وهزيمة ذي قار إلى الحوثيين اليوم تحت عاصفة الحزم.
يمكن للنظام الإيراني، الذي نعرفه تماما، أن يتبجح بما يشاء، ولكنه يعرف كما نعرف ويعرف التاريخ، إلى أي حد يمكنه أن يفعل.
إن قرار قطع علاقاتنا الدبلوماسية مع النظام الإيراني والطريقة التي تمت بها، واجب وطني يفرضه الاعتزاز بالذات، وعبّر عن الشخصية السعودية تعبيرا رفيعا بليغا، ولهذا حظي بارتياح شعبي شامل، ويبقى أن يحسن النظام هناك قراءة القرار وصداه.
يوما ما ستعود العلاقات بيننا وبين إيران، لكن ليس دون أن يبدي النظام الإيراني قدرا واجبا من التهذيب واللياقة تجاه جيرانه، وأن يتخلص من عقده المزمنة وعنترياته اللفظية التي لا يصدقها سوى وكلائه المنتحرين من خارج إيران.