سأعترف اليوم أن من أسوأ عيوبي -وعيوبي كثيرة جداً- أنني لا أقرأ، وهذه ليست مشكلة كبيرة فأكثر من يكتب ويفتي ويناقش هذه الأيام -وأنا منهم- لا يقرؤون! لكن المشكلة أو بالأصح العيب الأبرز عندي، والذي لا يعلمه إلاّ قلة قليلة من أصدقائي -أبرزهم عثمان الصيني- أنني من أكثر الناس اقتناء وشراء، وسرقة للكتب، وعندي مكتبة لا بأس بها نصفها في كراتين، فهي للوجاهة لا أكثر، المهم أن ذاكرتي حديدية، حيث أحفظ عناوين الكتب وأسماء المؤلفين، ودور النشر التي أصدرتها، فإذا ناقشت في مجلس عام يضم مثقفين، ذكرت أسماء تلك الكتب التي لم أقرأها، فأوحي لهم أنني مطلع مثقف كبير! فأعجبهم ويتناولوني بالمدح والثناء، لكن المشكلة حين يوجه ملقوف! منهم سؤالاً حول مضمون هذا الكتاب أو ذاك، حيث أغرق في شبر مويه! كما يقال، وأحياناً كثيرة لا أجد مخرجاً من المأزق، إلاّ التظاهر بالاستعجال ثم المغادرة فوراً، أو أنني أحتاج لزيارة الحمام – أكرمكم الله- وأتأخر هناك حتى أطمئن أن السالفة تغيرت!
وفي بعض الأحيان أسمع رأياً جميلاً لأحد الأصدقاء أو الكتاب أو المفكرين، فأحفظه، وفي مناسبة أخرى، أو مقال، أتبنّى ذلك الرأي أو القول باعتباره من بنات أفكاري! دون توثيق لمصدره، ودون خجل أو حياء من صاحبه الذي ربما يكون موجوداً فيسمعه مني، أو قارئاً فيقرأ مقالي، ثم يتعجب! ويحتقر سلوكي هذا.
ولهذا أتعجب كثيراً ممن يوثق مصادره، فمثلاً، الأخ الصديق مشاري الذايدي في برنامجه الرائع مرايا الذي يقدمه على قناة العربية الرائدة، يوثق كل كلمة يقولها، فهو يذكر الكتب والمؤلفين الذين ينقل عنهم قديماً وحديثاً، بل ويقدم صور هذه الكتب بصفحاتها على الشاشة، أمّا الفيديوهات التي يستشهد بها، فهو يذكر تواريخها وأسماء المتحدثين فيها، وبطبيعة الحال، فهو وفريق إعداد البرنامج يتعبون كثيراً جداً في هذا الأمر التوثيقي، فهم أولاً يبحثون في المصادر، ثم يوثقون، ويكتبون، بل إن مشاري حتى في اختياراته من أبيات الشعر التي يختم بها برنامجه يذكر اسم الشاعر، ولو كنت مكانه لأوحيت أن الأبيات لي، وذلك بالصمت عن اسم قائلها، فإذا سئلت فيما بعد قلت: هذا شعري، لكني متواضع! إلاّ أن مشاري لا يعرف مصلحته، وربما لا يدري  بل أنا متأكد أنه لا يصدقني لو قلت له: إن الناس سيصدقونه لو ادعى أن كل ما يرد في البرنامج من شواهد دافعة موثقة هي له ومن بنات أفكاره ورؤاه، لكنه -هداه الله- نسبها لأصحابها بالاسم والتاريخ، والمناسبة، وهذا من العيوب الواضحة عند مشاري، لأن من المصلحة الشخصية -كما أرى- هي أن يدعيها لنفسه، ولو فعلها ستجد من يزكيه ويدافع عنه، مثلما يستبسل الآن أصحاب الدكتوراه الوهمية في إثبات أن تزويرهم حق لهم، ويجدون من ينبري لتزكيتهم، بل وكثير منهم يسمون أنفسهم دعاة ووعاظاً ومصلحين ومدربين كباراً ومفسري أحلام ورقاة ولا أستبعد أن يخرج علينا غداً من بينهم محامون يدافعون عن المتهمين بالتزوير في المحاكم!
وأعود الآن إلى العيب الجسيم -الذي ذكرته في البداية- فهو ملازم لي منذ الصغر ومع أنني أكتب في الصحف منذ أكثر من 30 سنة، فإن من أغش منهم أو أسرق رؤاهم وأفكارهم صامتون عني، فعلى كثرة ما كتبت وتحدثت بما أسرق من رؤى وأفكار ونصوص، لم يتجرأ أحد على مجرد اتهامي بالسرقة، ناهيك عن إثباتها، ولا أدري عن سر صمتهم، هل لأنهم يفعلون مثلي، وبالتالي فمن باب تكاذب الأعراب يصمتون عني مع أنني لا أصمت عنهم وما أكثر الذين كتبت وهاجمت سرقاتهم وتزويرهم! أو لأن لي هيبة -لا أعلم عنها- فيخافون مني، أو أن هناك سراً آخر لا أعرفه!
ولأن أستاذنا في النقد وتفكيك النصوص عبدالله الغذامي -متعه الله بالصحة- تعودت على صمته عمن يسرقون منه، ومن كتبه، لكثرة ما كتب، وتنقل بين التيارات، وحتى الآن ما زال يفاجئنا بالجديد الملفت المفاجئ، فإنني لن أوثق عنوان تكاذب الأعراب، ولن أقول لكم إن هذا العنوان له، وإنني سرقته اليوم متعمداً، لأن الغذامي لن يكشفني، ولن تروه يرفع الكتاب الذي ألفه تحت هذا العنوان في يده اليسرى، وهو يحاضر عن الحداثة التي نسيها فنسيناها معه، ولم نعد نتحلق حوله -بصفته أستاذ النظرية الأوّل آنذاك- ليحدثنا ببراعته في قراءة وتفكيك الإبداع شعراً ونثراً أيام منطق النص، سقى الله تلك الأيام، وبالمناسبة فقد سرقت بعض ما تم توثيقه عن منطق النص هذا، وما زال عندي إلى اليوم، ولن أعترف به وسأطبعه في كتاب باسمي! ففكنا من شرك يا د.عبدالله الغذامي!