تحرك القبائل في أعالي اليمن سيبعث شرارة الالتحام الوطني للقضاء على الحوثية الخمينية، فهي طفرة بلا جذور سيخمدها حراك وطني عقلاني قادر على المقاومة والتحدي في الجيش والأمن والقبيلة

قبائل أعالي اليمن وكبقية القبائل اليمنية؛ عقلانية، وحساباتها في فهم السياسة مركزة على مصالحها، وهي بطبيعتها براغماتية ولا تأثير للمذهب إلا باعتباره أداة تعبوية وقت الأزمات وعادة ما تفرض العادات والتقاليد التي راكمتها عبر آلاف السنين فاعليتها في ضبط الصراعات وبناء التسويات، وتركيزها على أمنها وتماسكها الداخلي هاجس دائم، وهي شرسة وقادرة على التضحية لحماية كياناها وعادة ما ترتبط بالتحالف مع الحاكم القوي المستجيب لحاجاتها، وتتحالف مع الوعود التي تمنح لها وتقاتل من أجل الغنيمة، لكنها تمتلك عزة المقاتل الباحث عن كرامة وغالبا لا تبالغ في تحالفها مع الحاكم المتهور ذات النزعة العقائدية المتطرفة.
وتمثل القبيلة اليمنية صلب التكوين الوطني وجذور هويتنا متمركز فيها رغم التناقضات التي قد تنتجها في النزاعات البينية، وفي الحالات التي توظفها السياسة في نزاعات الجغرافيا، وتبلغ ورطتها حدها الأعلى عندما تراهن على العقائد الأصولية ذات النزعة التكفيرية أو التصفوية أو العنصرية، لأنها تصبح عامل شتات للهوية الوطنية ونقطة ارتكاز لإدارة حروب الفوضى والدمار، وعبر التاريخ اليمني في العصر الإسلامي الوسيط تم توريط القبيلة في الصراعات المشتتة للهوية اليمنية واعتمدت دولة الأئمة الزيود على تفكيك القبيلة إلى تكوينات متنازعة ومتعادية، وأصلت في بنيتها الثارات والكراهية المتبادلة حتى تتمكن من بناء مركز مهيمن جامع لتناقضاتها.
أبناء القبائل وطنيتهم في القلب من هويتنا اليمنية، ولم تتمكن كل الصراعات من زعزعة الهوية التاريخية وظل أبناء القبائل في حالة من التواصل وبناء علاقات مؤصلة على أساس الموروث الحضاري الذي أسست له الحضارات اليمنية القديمة، ولم تتمكن دولة الطوائف من إفساد الشعور العميق بالانتماء، وبالإخوة في عمق وعيها اللاشعوري وتمتد هذه الحالة العاطفية إلى اعتقاد متجذر بأن الرابطة اليمانية ليست فقط مرتبطة بالجغرافيا اليمنية بل تمتد إلى العمق العربي، وهذا الشعور بالانتماء للعروبة لدى القبيلة اليمنية جزءا من تركيبتها النفسية وشعور متأصل حدّ أن اليمانية بأبعادها الحميرية والسبئية أصبحت مع الإسلام متطابقة مع العروبة.
لذا فإن كل الرهانات الأيديولوجية للخمينية على تشيع سياسي معادي للعروبة مستحيل مهما تم التلاعب بالعقول عبر توظيفات دعائية لا يمكن أن تنطلي على أبناء القبائل اليمنية في شمال الشمال ولا يمكن للحوثي والمتحوثنين ولا لقوى الفساد أن تجرهم إلى المعركة الخطأ، فالقبائل في أعلى اليمن تمتلك مؤهلات قوية لتحرير نفسها من سيطرة أقلية طغيانية مستغلة الهاشمية الزيدية ومخلفات الأبناء وهم بقايا الفرس الذين ارتبطوا بعلاقات قوية وباللحمة اليمانية إلى حدّ أن الوعي اليمني لم يعدّ يتذكرهم بعد أن تمكنت القبيلة من إدماجهم في بنيتها، وتعاملت معهم كتكوين محمي وجزء يحظى بالاحترام والتقدير بل ومنحهم دورا محوريا في الشأن القبلي طالما لم يتم الإخلال بالقيم الحاكمة للقبيلة.
ظلت القبيلة في أعالي اليمن في حالة نزاع دائم مع دولة الأئمة الزيود وظلت طموحات الملك قابعة في وعي ولاوعي أبنائها ولم تكن ثورة 1962 إلا التعبير الأكثر انعكاسا للحلم اليماني الذي ظل مشتت في صراعات أنهكته ولم يتمكن من بناء أي تراكم حضاري غير تاريخ مغازي الأئمة وصراعاتهم الدائمة من أجل السيطرة والتحكم وفرض حكم هو أقرب إلى النظام الكهنوتي الذي يقدس فئة عرقية متعالية على كل ما يمثل تاريخ وروح الحضارة اليمانية.
حاولت الحوثية بكل جهدها بعد التحامها بالخمينية أن تعيد بناء تشيع سياسي وديني مستغلة حالة التفكك التي حدثت في بنية الدولة اليمنية، مستغلة الصراعات والنزاعات المعقدة التي عاشتها اليمن شمالا وجنوبا قبل الوحدة وبعدها، كما استغلت انهيار شبكة المحسوبيات التي شكلها النظام السابق وانتهازيات بعض أطرافه وشبقهم السلطوي وجرت اليمن إلى انقلاب فوضوي مدمر مازال كل يمني يعاني منه حتى اللحظة وسوف تستمر هذه المعاناة حتى يتم حسم المعركة لصالح بناء نظام اليمن الجديد الذي حددته مخرجات الحوار وهو نظام يشبه في روحه النظام التاريخ للإقبال اليمنيين الذي أسسته دول الحضارات القديمة وبصورة جديدة تلائم العصر وحاجات الأفراد في ارض اليمن.
ما زلنا في بداية الصراع واراهن على قوة القبيلة في أعالي اليمن وهي قوة جبارة تتجاوز كتلتها السكانية السبعة مليون، ناهيك عن امتداداتها وحلفائها في بقية الجغرافيا ولديه نزعة مغرورة بذاتها ولا يمكن إخضاعها لأي أيديولوجية أيا كانت طبيعتها ولديها اعتزاز بالذات إلى درجة الهوس بذاتها وانتفاضتها قادمة وإن حدثت ستكون عارمة ومنضبطة ولديها الخبرة والذكاء لإعادة صياغة مصالحهم خارج مشروع الحوثية الحربي العنصري والفوضوي والمدمر والذي ضرب الهوية اليمنية في مقتل وجر بلادنا إلى صراعات داخلية بين الأخوة وصراع مع امتدادهم العربي وعبر كراهية وأحقاد لا يمكن أن يحتويها قلب يماني.
الانتفاضة القبلية بكافة أشكالها ستأخذ بعدا عسكريا في البداية وهناك قوى كثيرة في هذه الأوساط تقاتل في مختلف الجبهات ضد الحوثية الطائفية وهذا سيسهل لها الالتحام بالمقاومة الشعبية الوطنية المتكاملة مع قوات التحالف العربية لإنقاذ اليمن.
ومن المؤكد أنه لا إيران ولا مراهقو الحوثية يفقهون أنه لا يمكن الدفع بهذه الكتلة السكانية العربية اليمانية إلى معركة الحوثية الخاسرة، فهي أشبه بالانتحار، ولا خيار أمام أبناء القبائل دفاعا عن أنفسهم غير التحرك للخلاص من معضلة غير قابلة للحل إن لم يتم التحرر من القبضة الحوثية وتأييد مشاريعها المناقضة لتاريخ القبيلة، ولا بد من ضرب الانفعال المقامر الذي تفرزه مراكز الفساد وهي تنهار في لعبتها الخبيثة وفق آليات التسويات التي اعتادت عليها البنية الحضارية لأبناء القبائل.
تحرك القبائل في أعالي اليمن سيشكل الطاقة التي ستبعث شرارة الالتحام الوطني وسيتمكن اليمن من القضاء على الحوثية الخمينية وبشكل سريع، فهي طفرة بلا جذور سيخمدها حراك وطني عقلاني قادر على المقاومة والتحدي في الجيش والأمن والقبيلة، ومكتمل مع الحاجة اليمنية وأمن العرب.
اليمن سيولد من جديد، وستظهر رموز الوطنية المراهنة على الإنسان اليمني والمصالح الطبيعية لكل طرف بما لا يخل بالعدالة ولا يعيد إنتاج هيمنة يستفيد منها أشخاص على حساب بقية اليمنيين، وعلى القبائل في أعالي اليمن أن تكون شريكا قويا ومتحررا من العقد التي شكلتها الكهنوتية الدينية ومنظومات الفساد فاليمن يدخل مفصلا تاريخيا ربما هو الأكثر أهمية في تاريخه كله.