لا بد من السرعة الممكنة في إعادة هيكلة الوزارة، وضمن هذه الهيكلة ينبغي إعطاء الجامعات نوعا من الاستقلالية المرشّدة لتخفيف العبء الثقيل جدا على الوزارة

تعلم أيها الوزير أن وزارة التعليم تقوم الآن بمهام ثلاث وزارات سابقة يقوم عليها ثلاثة وزراء، وكل وزارة من تلك الوزارات لها هيكل فيه عدد من النواب وعدد كبير من الوكلاء وعدد أكبر من الوكلاء المساعدين وعدد أكبر من ذلك من مديري العموم.
وكل واحدة من هذه الوزارات لها مهامها المتشعبة التي يكتنفها كثير من المشاكل والقضايا، ولا تخلو من بيروقراطية قاتلة وأفكار متضادة.
تم جمع ذلك كله في وزارة واحدة، ولمس الجميع تدني الخدمات وضعف المخرج، واستبشرنا خيرا بالدمج، ومضت سنة كاملة، ولاحظنا تراجعا كبيرا وضجرا مستمرا من طلاب البعثات، ومن منسوبي التعليم، وأولياء الأمور.
تبني الدمج يكشف لنا الرغبة في تطوير مرفق التعليم الذي يعدّ الأس الحقيقي لجميع مناحي التنمية وتطورها، ويكشف توجه الدمج إصرار القيادة على تطوير هذا المرفق، وعلى أن يتم الإشراف على الطلاب منذ دخولهم أول فصل دراسي حتى تخرجهم في الجامعة؛ عن طريق وزارة واحدة بدلا من تعدد جهات الإشراف، ومن يريد منهم الاستمرار في الدراسات العليا، أن يكون الإشراف عليهم وتوجيههم ورسم سياسات وتوجهات ومراحل واستراتيجيات وطرق وأساليب ومناهج دراستهم؛ عن طريق جهة واحدة، أو قل وزارة واحدة بدلا من وزارتين.
هذه مدرسة فكرية لها جوانبها الإيجابية ولها سلبياتها. ويرجع تحديد طغيان عوامل النجاح على السلبيات أو العكس للجهة التي تتخذ هذا القرار أو تقرر تبني تلك المدرسة.
والواضح من تطبيق هذه المدرسة في المملكة بالدمج أن متخذي قرار الدمج يرون أن له إيجابيات ستتحقق أكثر من تعدد جهات الإشراف على التعليم في أكثر من وزارة.
وهنا سأقترح لنجاح عملية الدمج ما يأتي:
أولا: الإسراع في هيكلة وزارة التعليم، وتوحيد الإجراءات لكامل جهات التعليم: البنات والتعليم العام والتعليم العالي، فقد طال وقت إنهاء هذه المرحلة، وأذكركم أنه لا يمكن أخذ نظام من مجتمع أو دولة وتطبيقه بحذافيره في مجتمع أو دولة أخرى.
ثانيا: استقلالية منظَمَة للجامعات، بحيث يسمح لها بالانطلاق المنظم والتنافس فيما بينها، وفي الوقت نفسه يكون هناك مجلس إشرافي لها يوافق على سياساتها، ويراقب ممارساتها، ويحد من تجاوزاتها، لأن سياسة الدولة تحبذ بقاء الإشراف على الجامعات لها، وهنا نحقق الهدفين: هدف إشراف منظم للدولة، وهدف إعطاء حرية مناسبة للجامعات تسمح لها بالانطلاق والإبداع والتنافس.
ثالثا: حل المشاكل العالقة للابتعاث الداخلي والخارجي. فهناك أمر ملكي يخص إلحاق المبتعثين في أميركا لم ينفذ، وقلق كبير بسبب ذلك في صفوف المبتعثين في الخارج والداخل وفي الجامعات الأهلية، وأنتم الأعرف بكل تفاصيله، وعدم الحسم في هذه الأمور يفاقم المشكلات.
رابعا: يضطر بعض المنتسبين إلى التعليم إلى السفر للرياض لإنهاء بعض إجراءات معاملاتهم، ونحن نعيش العالم الرقمي وهناك بعض المعاملات التي تتعلق بتعليم البنات والتعليم العام والتعليم العالي، ولا بد من مراجعة هذه الجهات الثلاث لإنهاء المعاملات. توحيد الإجراءات وتحويل المراجعات وإنهاء المعاملات إلى موقع الوزارة فيه قضاء على الروتين، وتسهيل الإجراءات والتخفيف على من يعيشون خارج الرياض عناء السفر والمشقة والمراجعة، وأحيانا يستحيل للرجل مراجعة قسم تعليم البنات، والأمثلة كثيرة.
خامسا: لدينا هيئتان للتقويم: هيئة تقويم التعليم العام، والهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي.
وطالما أننا نتحدث عن الدمج وفوائده وما يوفره من تقدم في الخدمات ومن جهد ومال، أرى أن تدمج الهيئتان، فالهيئات العالمية تقوم بتقويم واعتماد التعليم العام والتعليم الجامعي، فلماذا نكرر الجهد ونبذل مزيدا من المال في ظل ظروف تتطلب الترشيد في الإنفاق؟
التعليم يحتاج إلى جهود كبيرة ومتصلة لتطويره، لكن هذه أولويات يجب البدء بها ثم تأتي بعد ذلك مرحلة تطوير بقية منظومة التعليم، من معلم ومناهج وأساليب تدريس وتقنيات تعليم وغيرها.
لا بد من السرعة الممكنة في إعادة هيكلة الوزارة، وضمن هذه الهيكلة ينبغي إعطاء الجامعات نوعا من الاستقلالية المرشّدة والمنضبطة، لتخفيف العبء الثقيل جدا على الوزارة، ولتحقق لها التحرك بحرية منضبطة، لتحقيق أعلى مستوى من الإنجاز في المجالات الثلاثة التي تتعلق بعملها: التدريس، والبحث العلمي، وخدمة المجتمع، والسرعة الممكنة في بناء الأنظمة التي تسيِّر عمل الوزارة الجديدة، والتي تضمن لعملها التكامل بين شقي التعليم لتحقيق الهدف الأول من الدمج.
التغيير مطلوب في هذا العصر والتجريب مهم. ولا بد أن نعي أنه لا بد أن تكون هناك إشكالات في التغيير.
هذا معروف ومتوقع، لكن المطلوب هو التعامل مع تلك المشكلات بفاعلية وسرعة.