كارثة جازان حدثت نتيجة قصور في الأداء الوظيفي الذي ترتب عليه قصور المنشأة في تأدية ما عليها، المنشأة هنا تحاكي بالكامل قصور ووعي من يديرها
في جازان حاليا لم يعد هناك حديث أكثر وأطول من الحديث الباحث عن الاستدلال والإثبات، ومن وما كان ضالعا في التقصير والإهمال والتسيب، فما حدث فجر الخميس الماضي من حريق في مستشفى جازان العام، كان كارثة كاملة الأركان الاصطلاحية ومعانيها، ولا يمكن بأي حال تبريرها بأية تخريجات كانت قانونية أم قبلية أم حيثيات نظامية، ولا أعتقد أن هناك استعدادا لتحمل مسؤولية تصرف أحمق وأرعن في ظل لهيب هذه الكارثة.
الآن لم يعد هناك مجال لتحمل الأخطاء القاتلة والمؤثرة في حياتنا بكل أشكالها كما كان يحدث في السابق، لم يعد هناك مجال لتبريرها واختزالها في مجموعة خطابات مكاتب ومكاتبات باهتة، فالحادثة أكبر بكثير من أن يتم تمريرها على المسؤول المباشر على هذا النحو، والمصيبة باتت أعظم، وهذا أمر لا جدال فيه بالمطلق.
في الواقع، منذ الساعات الأولى لكارثة حريق المستشفى واحتراق الناس أحياءً داخل ممراتها وأروقتها، في المكان الذي يفترض فيه معالجتهم؛ وأنا أبحث عن طريقة وزاوية مختلفة للكتابة عنها، وتناولها بعيدا عن التشنج، وسيطرة اللحظات الأولى لأية كارثة في العادة، والتي لا تُعتبر لحظات قرارات حقيقية يُعول عليها، على الرغم من صدقها ونبلها العظيمين، لكنني على الرغم من كل ذلك الحذر والبحث، وأصدقكم القول: ما زلت واقعا تحت ضغط مشاعر الكارثة وصورها البشعة.
كما أن كثيرا من الزملاء الكتاب في صحيفة الوطن وغيرها من الصُحف، أشبعوا الموضوع تناولا من زاويا عدة، وقالوا أكثر مما كنت أود قوله على أية حال.
لذا، فإنني سأطرح فكرة التغيير الإداري الكاملة أو شبه الكاملة، وتسليم دفة القيادة إلى الشباب، وأظن أنه آن الأوان أن نسمع ونشاهد ترتيبات إدارية جديدة، لها القدرة على محاكاة التغير وصنع الفارق، ومواجهة الكارثة بما يعلن عن مستقبل جديد يقوده أهله من العقول الشابة، ويتحملون مسؤوليته، لأنهم الأقرب إلى فهمه وقيادته كما أجزم، فالمرحلة تتطلب ذلك عطفا على المنجز المادي على الأرض، والذي يتطلب منجزا موازيا على صعيد الإنجاز التأهيلي البشري بالمقابل.
لأن مشكلتنا في هذا البلد الكبير منذُ عقود، تتمثل في تقدم المنشآت والمعدات المتقدمة التي بين أيدينا على قدرات ومؤهلات الكادر المُشغل لها بكل أسف، مُتقدمة على وعي الموظف المعني بها تشغيلا وفهما وإدراكا، وهذا واقع ملموس مهما حاولنا التهرب من الاعتراف به.
الكارثة حدثت نتيجة قصور في الأداء الوظيفي الذي ترتب عليه قصور المنشأة في تأدية ما عليها، المنشأة هنا تحاكي بالكامل قصور ووعي من يديرها، والكارثة تعكس حجم ذلك القصور.
بالمقابل، دعونا نتأمل اجتهاد الممرضتين البطلتين أميرة إسماعيل ونجود حمود، خارج قدرات المنشأة المعاقة عن تأدية عملها، وسنلاحظ أن ما قامت به الممرضتان، يعكس قدرات الموظف المؤهل تدريبياً وأخلاقيا وإنسانيا، ويعلن بشكل صريح عن موقع الخلل والمشكلة.
المسألة من وجهة نظري ليست صعبة، بقدر ما هي مسألة قرار تغيير كبير، يضع الأمور في نصابها المنطقي، وفق تقييم يعتمد على النزاهة ولا يعتمد الميانة، وأظن أن جازان في أمس الحاجة إلى مثل هذه القرارات الكبيرة، لتواكب نهضتها المنطلقة بسرعة الصاروخ على أرض الواقع حاليا.
هذا رأيي، وهذا تقييمي لما حدث، وهذا صوتي إلى مقام أمير جازان الأمير محمد بن ناصر حفظه الله.
المعادلة يا سيدي بين الآلة وتدريب الكادر مُختلّة ومُعتلّة، وبحاجة ماسة إلى إعادة تقييم ونظر وقرار بحجم ما حدث.
رحم الله من مات في تلك الكارثة بلا سبب، سوى أنه كان في المكان الصحيح والتوقيت الخطأ، والله المستعان.