طوى معرض الكتاب الدولي مساء الثلاثاء الماضي صفحته الأولى المشرقة بجدة بعد 10 أيام من الضوء والمعرفة والفن التي زينت أجواء وليالي وسماء معشوقة الملايين التي اتخذها الصديق الشاعر الرائع طلال حمزة عنوانا لقصيدته الرائعة جدة غير فذهب العنوان مثلاً وشعاراً وعنواناً لعروس البحر الأحمر.
نجح المعرض نجاحاً باهراً فاق كل التوقعات، بل إنني أعتقد أنه حتى اللجنة المنظمة والمشرفة، على الرغم مما بذلت من جهد كبير في الاستعداد والتجهيز خلال 75 يوماً فقط، لم تتوقع حتى نصف هذا النجاح الذي حققه المعرض تنظيماً وإقبالاً، وزحاماً، وشراءً للكتب، وحضوراً لفعالياته الثقافية ومعارضه، بل وحتى مقاهيه ومطاعمه التي كانت تعج بمرتاديها يومياً من العاشرة صباحاً حتى يغلق المعرض أبوابه كل يوم عند العاشرة مساءً، ولولا أن الكهرباء يتم إطفاؤها –ولا أعرف لماذا!!- خارج المعرض وفي ساحاته الخارجية، لقضى الناس ليلهم كاملاً في تلك المقاهي والمطاعم، كعادة زوار وسكان جدة –ليلياً– في الكورنيش مع أجوائها الخريفية الممتعة.
وهنا لا بد من تسجيل كلمة شكر وتقدير كبيرة جداً، للجنة المنظمة والمشرفة، وعلى رأسها الأمير مشعل بن ماجد محافظ جدة، والزميل والصديق الدكتور سعود كاتب المتحدث الرسمي لوزارة الإعلام والكاتب المعروف، وكافة العاملين من موظفي وزارة الثقافة والإعلام ومن محافظة جدة ومن شباب وفتيات جدة الذين كانوا يداومون يومياً 12 ساعة ويتعاملون مع زوار المعرض برقي واحترام وتهذيب يصل إلى حد المبالغة أحياناً، وهذا في الواقع ديدن شباب جدة وكل شباب منطقة مكة المكرمة من الجنسين، والكل يتذكر فرق التطوع التي بادروا إليها إبان كارثة الأمطار الشهيرة في 2009، ثم ما تلاها كلما كان لهم حاجة، والأمير خالد الفيصل تبنى مبادرتهم والتقى بهم، وما زال يلتقي بهم ويشجعهم، ويستفيد منهم في مشاريع المنطقة كلها، وأعتقد أن الغالبية الساحقة من شباب المملكة –من الجنسين– في نفس هذا المستوى الرائع أخلاقاً، وعشقاً لوطنهم، وتفانياً في خدمته.
ولا بد –أيضاً– أن تسجل كلمة شكر وتقدير لشرطة جدة التي تولت تنظيم الدخول والخروج، بدقة عالية، وحرص أمني صارم، وتعامل راق، ومثل ذلك يوجه إلى مرور جدة الذي نجح بامتياز في تنظيم الحركة المرورية طيلة أيام المعرض، وما تحمله رجال المرور من عناء وما بذلوه من جهد، سيما مع ما عانوه –ورأيته بنفسي– من جهل وعجرفة بعض السائقين، وتعمدهم إعاقة الحركة بارتكاب المخالفات، سواء في الوقوف الخطأ، أو الانشغال بالجوال عن القيادة، أو محاولة القفز على الأرصفة أو الوقوف عليها. وهذه حال سائدة في معظم شوارع جدة والمملكة التي تشهد ازدحاماً مرورياً، وما لم يكن نظام المرور مطبقاً بصورة أكثر دقة، وأشد صرامة، فإن هذه الحال لن تتغير أبداً.
المعرض، وفق ما قرأت، وسمعت، زاره نحو 800 ألف زائر من الجنسين، وبلغت مبيعاته أكثر من 60 مليون ريال، ولا أعرف مدى دقة الأرقام، لكن الذي أنا واثق منه وجربته، أن الكتب غالية جداً، بل وبعضها مما اشتريته، علمت فيما بعد أنني دفعت 3 أضعاف سعرها الأساسي في بيروت أو القاهرة، ومساء السبت قبل الماضي كنت والصديق الزميل مصطفى إدريس في إحدى دور النشر، وبحاسته الصحفية العظيمة طلب مني مصطفى أن أسأل صاحب الدار، أو مديرها عن حجم المبيعات مالياً، فبحثت عنه وسألته، فقال: اليوم نكون حققنا ذات المبلغ الذي حققناه في معرض الرياض الماضي، وهو دخل أكثر مما حققناه في معظم المعارض العربية للكتاب التي شاركنا فيها.
بعد هذا الموقف، شهدت أيام الأحد والإثنين، والثلاثاء إقبالاً هائلاً، وزحاماً فاق ما شهده المعرض يوم الجمعة -قبل الماضي- حتى إنني صرفت النظر عن الدخول في تلك الأيام، ولولا إصرار أحد الأصدقاء يوم الإثنين الماضي لما دخلت، إذ قضينا في طابور الدخول أكثر من نصف ساعة، وحين غادرت عند التاسعة والنصف كانت طوابير الرجال والنساء عند أبواب المعرض الثلاثة مستمرة، حتى إنني قلت لأحدهم في منتصف الطابور تقريباً، لن تدخل، لأن المعرض سيغلق أبوابه قبل أن تدخل، ومع ذلك استمر في الانتظار!
ويوم الثلاثاء الماضي فوجئت بإحدى الصحف تنشر نقلاً عن ناشرين عرب، أن الإقبال كان ضعيفاً، وأنهم خسروا، ويأملون بأن تقوم وزارة الإعلام أو الإمارة بتعويضهم، وذلك بشراء ما تبقى لديهم من كتب، وتذكرت فوراً، أن هؤلاء الناشرين يمارسون مثل هذه العادة في التشكي! بعد كل معرض يشاركون فيه خاصة في دول الخليج، وهي دول غنية، ولا مانع من حلبها أو حتى نهبها إن أمكن في نظر البعض!
وأبلغني صديق، أن مسؤولاً خليجياً كبيراً في إحدى الدول الشقيقة، قال لهؤلاء الناشرين حين اشتكوا إليه: سأحيل طلبكم إلى إحدى الجمعيات الخيرية، ولعلها تساعدكم إن استطاعت، ضمن من تساعدهم بخدماتها، وكان رده ملجماً لهم!
وبالصدفة وفي مناسبة عامة التقيت مسؤولاً كبيراً مساء الخميس الماضي من المعنيين بالمعرض، وممن يرجى نواله أو مساعدته، ورويت له نجاح المعرض، وتشكي الناشرين! وموقف المسؤول الخليجي منهم، فقال: لو جاؤوني، أو ذهبوا إلى غيري من المسؤولين، سيقال لهم: لا تشاركوا مرة أخرى ما دمتم تخسرون! فألجمتني إجابته العميقة المقنعة ولم أجد تعليقاً مناسباً عليها. فعلقوا أنتم.