نورة عبدالعزيز الفرهود

تكثر لحظات التأمل بشكل لافت، خاصة عندما يكون الإنسان مسؤولا عن غيره وتمر به المواقف والخبرات التي تشكل شخصيته وتطبعه بطابع معين يغلب عليه النضج والاتزان والتروي، وهذا ما أجده في نفسي، خاصة في تأملاتي المستمرة لسلوك أبنائي وميولهم وتفكيرهم، حيث أراهم يختزلون ملامح جيل بأكمله، فحينا أنظر إليهم بعين الإعجاب والتفاؤل، وحينا بعين المشفق المتخوف، وحتى أكون منصفة في حق نفسي، فإنني غالبا ما أذكر نفسي بأنني لا بد أن أتفهم كل جيل ومطالبه، وألا أظل أحمل تلك الصورة الزاهية لجيلي وهو كغيره من الأجيال، له حسناته وعيوبه، وأن أضع نفسي مكانهم حتى أشعر بهم، وللحقيقة فإن جيل اليوم جيل متطلع مسلح بالثقة وأدواتها من حوار وطموح ورغبة في إثبات الذات، لكن بالمقابل لا يمتلك الصبر لأن يكون عالمه الفكري والثقافي كما الأجيال السابقة، ولنضرب مثلا بالقراءة التي هي مدار حديثي في هذا المقال، وما اجتهدت في الكتابة عنها إلا لأهميتها في نهضة الأمم وتأثيرها على تطور العقول والأفهام، فالقراءة كنشاط ممارس بشكل منتظم، بعيدة نوعا ما عن مجال اهتمامهم، ولا تظهر إلا في حال حدوث ضجة ما لكتاب أو رواية، ولعل ما يحدث في معرض الكتاب ونحن على أبوابه خير دليل، فالازدحام عند بعض دور النشر ونفاد نسخ كتب معينة دليل على أن الضجة الإعلامية سلبا كانت أو إيجابا، تؤثر في إقبال الشباب بطريقة أو بأخرى على القراءة، فلا نجد في أجيالنا الشابة من يمارس القراءة كسلوك أصيل كما في الدول الأوربية مثلا، حيث تطالعنا وسائل التواصل والأفلام بصور مختلفة في أماكن عدة كالقطارات ومحطات الانتظار والمستشفيات... إلخ، وغالبية من فيها يقرؤون، فالكتاب رفيق دائم لحقائبهم يحملونه أينما كانوا، هذه الممارسة هي ما نفتقدها، وهي التي تطرح سؤالا مهما، ألا وهو كيف نحول القراءة إلى عادة سلوكية أصيلة لدى أبنائنا وكيف نؤسس لجيل قارئ متطلع شغوف بالعلم والمعرفة؟.