أدى الربيع العربي، الذي عاشته منطقة الشرق الأوسط ما بين 2011 و2012، إلى حدوث تغيير عميق في المنطقة، وإلى سوء فهم حول آثاره المنتشرة إلى حد كبير. أولاً، إنه لم ينتج تحريراً دائماً ومزيداً من الديموقراطية في دول المنطقة، باستثناء تونس. ثانياً، لم يكن الربيع العربي، عربياً فقط، بل شمل أيضاً عنصراً إيرانياً في رد الفعل الشعبي على الانتخابات المزوَّرة عام 2009، فضلاً عن عنصر تركي تجلى في احتجاجات منتزه غازي 2013.
وإضافة إلى ذلك، لم يقتصر الربيع العربي على العامين (2011 و2012)، بل امتد إلى فترة أطول. وأخيراً، لا تزال توابعه تبرز حتى الوقت الحالي، مثل الاحتجاجات الشعبية هذا العام في العراق، لذلك لا بد من المزيد من الانتظار قبل إجراء التقييم النهائي لهذه الظاهرة وتأثيرها.
ويُكمل هذا التطور تطوران آخران حوّلا المنطقة إلى بؤرة صراع. الأول هو بروز الحركات الإسلامية على الصعيد الإقليمي الشامل مثل تنظيم داعش، الابن الأكثر خطورة لتنظيم القاعدة، والهيمنة الإيرانية، التي يُغذيها شعورها بـالنجاح جراء الفوز بالاتفاق النووي مع المجتمع الدولي، خاصة مع الولايات المتحدة، فضلاً عن تركيبتها المكونة من الشيعة والفارسية في آن واحد.
وتنتشر بؤرة الصراع الناتجة عن ذلك بصورة سريعة. فالدول الحليفة تقليدياً للولايات المتحدة في المنطقة لا تمتلك القوة لمواجهة التحديات المزدوجة لتنظيم داعش وإيران بمفردها، وذلك في ظل غياب الولايات المتحدة إلى حد ما، وقلق غالبية شركائها الرئيسيين المعتادين بشأن الخلاف والصراعات الداخلية. وبالطبع، فإن السخط الشعبي المستوحى من الربيع العربي يُغذي هذه الصراعات الداخلية.
وإضافة إلى البؤرة السامة، فقد أدى انهيار سورية وظهور تنظيم داعش الناتج عنه إلى بروز عامل آخر يزعزع الاستقرار. فقد دخلت روسيا في إطار الحرب السورية، ظاهرياً للانضمام إلى المعركة ضد داعش أو قيادتها، ولكن في الواقع، لدعم حليف موسكو، بشار الأسد، والتعاون مع إيران للقضاء على النظام الأمني الأميركي في المنطقة قدر الإمكان. وفي نظر الكثيرين في المنطقة، فإن الرئيس الأميركي باراك أوباما ليس مهتماً لهذه الدرجة ببذل جهود جادة والتضحية للدفاع عن هذا النظام الأمني، الأمر الذي يزيد من تعرضه للخطر.
وفي الواقع، لا يمكن إلقاء اللوم في الوضع الراهن الخطر للغاية والفوضوي في المنطقة -مع إمكانية زيادته سوءاً في أي لحظة- على المواطنين الشجعان في جميع أنحاء الشرق الأوسط الذين خاطروا بحياتهم للاحتجاج والمطالبة بمستقبل أفضل. فقد تعرضوا للخيانة من العيوب الكامنة في مجتمعاتهم، ومن رفض الدول إصلاح أنظمتها، ومن القوات التي تغذي النيران (روسيا، وإيران، وتنظيم داعش). أما الآخرون (الولايات المتحدة في المقام الأول، وأيضاً أوروبا والأمم المتحدة، والنظام الدولي بأسره) الذين اعتُمد عليهم على تحقيق الاستقرار، فقد نأوا بأنفسهم إلى حد ما.
وحتى في عالم تناهض فيه روسيا والصين الوضع الراهن وتبحثان عمَّا تسيطران عليه؛ فإن التعامل مع بؤرة الصراع موضع البحث ستكون الوظيفة الأولى للرئيس الأميركي الجديد، الذي سيكون لديه ما يكفيه من المشاغل للتعامل مع جميع هذه الصراعات.