يظهر الشيخ الكلباني في مقطع على ما يبدو أنه مدعو إلى مناسبة ما. يضج الجميع كيف للشيخ أن يكون هناك ولم يقم بإنكار بهجة المحتفلين أو أقلها مغادرة المكان!
لكن شيئا من هذا لم يحدث، وكان الشيخ الطيب يجلس بين الجموع بكل وداعة مبتسما، تاركا للآخرين أن يمضوا ليلتهم واحتفالهم كيفما أرادوا، وليس بمستغرب وهو من صرح برأيه في الغناء، مؤكدا أنه مباح بكل حالاته سواء كان بالموسيقى أو دونها، الحقيقة أن الشيخ لم يكن منافقا، وكان منسجما مع ما يصرح به ومع ما يعتقده ويعيشه على أرض الواقع. ردة الفعل تجاه هذا أن منظومة من المنافقين أبدت عنصرية مقيتة تجاه الرجل.
على الجانب الآخر، ودون مسميات، لدينا كثير من الذين تضج المساجد والمنابر والملتقيات الدعوية بأتباعهم. هؤلاء تسببوا فيما يشبه الصدمة لمريديهم الذين ما زالوا يحاولون الكذب على أنفسهم بتبريرات كثيرة، كون رموزهم تلك تمارس الفصام والتناقض بين الواقع وبين ما يتبنونه من فكر وتعاليم، فأحدهم يحرم الاختلاط ويكفر الشعراء والكتاب، فيما يعتبر تلك الأمور نوعا من التحضر في مكان آخر!
لا يكتفي أصحاب الوجوه المتعددة والتناقضات الفاخرة بتمرير تناقضاتهم على الآخرين، بل والتباهي والتصريح بها علنا، وعلى طريقة ابن نحيت بعد نشره مقطعا صادما وهو ينشد لمتابعيه من بلاد الكفار حسب تعريفه، حيث ظهر في مشهد غنائي وابنه ليتحفنا بـقفشة عنصرية عن بلاد الكفار البشعة السيئة، بينما هو يتجول في شوارعهم،في باريس تحديدا، ويرتدي ملابسه من ماركات شركات الكفار أيضا!
كان سيقنعنا أكثر، لو أنه قام بهذا العمل من قلب حي النسيم الذي جاء ذكره في المقطع المصور، ولو أنه كان يرتدي ثيابه من محل في البطحاء، أو النسيم، أو أي من تلك الحواري البسيطة تستطيع لتكون حقيقيا ومقنعا إن أردت شتم الكفار في بلادهم البعيدة.
ووسط كل هذه المزايدات الدينية على من هو الأفضل ومن هو صاحب الامتياز الذي يمتلك شهادة براءة وصك غفران ، وبين كثير من المزايدات الوطنية والعراك المجتمعي، فإن التكفير وإرباك الناس بالتناقضات الوعظية يظهر نمطا جديدا من السياقات الاجتماعية الكامنة في قلب مجتمعنا.. وهي: النفاق في أكثر صوره وضوحا.