قبل مغرب الإثنين الماضي وصلت –بحفظ الله ورعايته– إلى معرض الكتاب الدولي بجدة، وللحق كانت الحركة المرورية انسيابية ورائعة، مع أن كثيرين اشتكوا منها يوم افتتاح المعرض مساء الجمعة الماضي.
المهم انتظمت في طابور الدخول، وأعجبني المستوى الأمني هناك، وبعد دخولي أذن المغرب، في اللحظة التي كنت أبحث فيها عن دور نشر محددة، ولضخامة مساحة المعرض والزحام الموجود، تعوذت بالله من الشيطان الرجيم، وبدأت أبحث عن مصلى، فسمعت نداء يقول المسجد خارج المعرض في الجهة الغربية، فتوجهت إليه، وأدركت الجماعة الثانية، وصليت ثم عدت.
تنظيم المعرض رائع بكل المقاييس، فممراته كانت كالمعتاد في معرض الرياض تحمل مسميات بأسماء الرواد والرائدات في المملكة، وحركته انسيابية على الرغم من الزحام الشديد.
الزوار رجالاً ونساءً، كانوا يشترون الكتب بالكوم، -ومع الأسف– أننا نردد كثيراً بأننا مجتمع لا يقرأ، وهذا غير صحيح مطلقاً، فالذين كانوا يشترون الكتب كباراً وشباباً من الجنسين يستحيل أن يشتروها، لتزيين مداخل شققهم وبيوتهم ومكتباتهم المنزلية، وإنما لأن لديهم شغفاً حقيقياً بالقراءة، لأن التزيين له محلات ديكور معروفة تستطيع أن تعطي أيّاً منهم ما يريد من هياط!! لكنهم كما أعتقد وكما شاهدت وراقبت في عدد من دور النشر داخل المعرض، يشترون، لأنهم متعطشون للقراءة والاطلاع، سيما أن المعرض فرصة ثمينة للحصول على الكتب والروايات التي ينتجها سعوديون، ويمنعون من طباعتها ونشرها داخل الوطن، فيضطرون إلى طباعتها، خارج المملكة ولا يجدون فرصة لإيصالها إلى القارئ والقارئة السعوديين إلا عبر معارض الكتاب، وهذه مسألة مضحكة!! وتدخل في باب التناقض، بل ويحق لأي كاتب أو كاتبة من هؤلاء وقرائهم وقارئاتهم في الداخل، أن يردد بكثير من الحزن أن الكتاب السعودي له الحق –كل الحق– في أن يتمثل بيت المتنبي الشهير: أنا في أمة تداركها الله غريب كصالح في ثمود!!
أثناء تجوالي الممتع بين دور النشر، والمعارض الرائعة المصاحبة، والمسرح، ومع ما أطلعت عليه من برنامج ثقافي ثري، ومتنوع، ورائع أيضاً، التقيت الدكتور سعود كاتب المسؤول الأول عن المعرض، الذي يبدأ عمله يومياً من العاشرة صباحاً حتى يغلق المعرض أبوابه عند العاشرة مساءً ومعه كوكبة من الشباب من الجنسين، الذين تم توزيعهم إلى لجان تنظيمية، وإلى مشرفين على الحركة، مع مراقبين لأداء الشاشات الإلكترونية الموجودة في كل ممر تقريباً، والتي من خلالها يمكنك الاستدلال على أي دار نشر أو كتاب، وأبديت له ملاحظة وعاتبته عليها، فقال: هذه ليست من اللجنة المنظمة، وإنما مفروضة عليها، وهي ملاحظة شكلية، لكنها عميقة المعنى، ومسيئة جداً، وسأقولها لكم بعد قليل، بعد أن قالها لي عدد من العاملين في دور النشر، لكني لم أصدقها!! فهي لا تُعقل وتسيء إلى المملكة وقبلها إلى الدين الإسلامي العظيم نفسه.
المعرض رائع بكل المقاييس، وناجح، وهو نتيجة خطط واستعدادات بدأت، منذ ثلاثة أشهر على الأكثر فقط، ولم يكن أحد يصدق أن تنجح اللجنة برئاسة الشاب المتدفق حيوية ووعياً سعود كاتب أن تصل إلى هذه النتيجة الرائعة المتميزة التي شاهدها الجميع.
والآن سأقول لكم ملاحظتين شكليتين، لكنهما عميقتا المدلول، والتأثير، وأنا تهمني سمعة الوطن، وقدرة منسوبي المؤسسات الحكومية على تمثيله خير تمثيل:
الأولى: وقفت بنفسي ومعي الزميل الصديق بدر العباسي، على موقف مخجل فعلاً، فقد كان عدد من رجال الأمن يهددون فتاة أقرب إلى سن الطفولة، سقط غطاء رأسها، أو شعرها، أو أنها لا تغطيه أصلاً، وهي سعودية، فكانوا من العنف اللفظي بما لا يليق برجل الأمن السعودي مطلقاً، إذ بادروا الفتاة وهي تمشي بين أخواتها أو زميلاتها بالقول وبحدة واضحة: إمّا أن تغطي شعرك أو سنخرجك بالقوة إلى خارج المعرض!! فبادرت الفتاة إلى تفقد غطاء شعرها، وهي تتأسف وتقول طيب بس بدون تهديد!، لكنهم استمروا في التعنيف والتهديد، وكأنهم شعروا أنها تنتقص من سلطتهم أو مكانتهم، بينما كان كلامها هادئاً، وكدت أن أتدخل، لكن الصديق بدر العباسي منعني، وقال: من حقهم وبينما كنت أقنعه أن ليس من حقهم، غطت الفتاة شعرها، واقتنع رجال الأمن، وانتهت المشكلة!!
الملاحظة الثانية: أنني كنت في أحد دور النشر، واشتريت عدداً من الكتب، وما إن انتهيت، ووصل دوري لدفع الحساب، حتى أذّن العشاء، فقال لي المسؤول في الدار وأنا أقدم له البطاقة ليسحب قيمة الكتب، قال: مستحيل يا أستاذ!! ففهمت أنه –ربما– عرفني ويريد أن يعطيني إياها مجاناً، فكدت أحلف، وربما طلقت بالثلاث أن أدفع!! لولا أنه سارع للقول: بعد الصلاة نكمل، وبدأ في تنبيه الواقفين رجالاً ونساءً أن البيع توقف، ويرجوهم مغادرة موقعه، فقلت له –والأذان لم ينته بعد– يا أخي صلاة العشاء وقتها أوسع مما تعرف، فلا تضطهدنا، قال: انتظر!! وبعد قليل، قيل في الميكروفون الرجاء من دور النشر والحضور التوجه إلى الصلاة وإيقاف البيع وإغلاق دور النشر، وكان أعضاء من لجان تنظيم المعرض، ومن الهيئة يدورون، وينبهون العاملين في دور النشر، إلى ضرورة التوقف.
توقف الجميع عن البيع والشراء، لكن الزحام لم يخف، فالرجال والنساء كلهم موجودون في ممرات المعرض، وباعة دور النشر موجودون أيضاً معهم، والكل ينتظر الفراغ من أداء الصلاة، وسألت فقيل لي، هذا يتم مع كل صلاة الظهر، العصر، المغرب، العشاء، فتعجبت فعلاً!!
المعرض كأي سوق في المملكة تغلق محلاته والناس لا يذهبون إلى الصلاة، وخاصة النساء كلهن، وبعض الباعة الذين ليسوا مسلمين أصلاً، فكيف نجبر الجميع على فعل لا يجوز ولا يحق لأحد غير الله محاسبتهم عليه، وأنا أعرف أن أحدكم الآن سيقفز من مكانه ويقول: الصلاة الركن الثاني من أركان الإسلام فكيف تستنكر الحث عليها، وإغلاق المحلات أو معرض الكتاب من أجلها!! وأنا أقول: معك حق في أنها ركن أساس لكن أوقاتها واسعة، ثم إن المسلمين الموجودين في معرض الكتاب أو الأسواق بعضهم مسافر فيجمع ويقصر، وبعضهم يصلي في بيته، وبعضهم وخاصة في المحلات أو دور النشر الكبرى، ومعظمها كبرى في معرض الكتاب يشكل منسوبوها جماعة يمكن أن يصلي بعضهم، وبعضهم يواصل العمل، ثم يصلون بعدهم، وهكذا، فإن الأمر واسع!
وهنا وقبل أن أستطرد وقبل أن أكمل كتابة هذا المقال، اتصل الزميل الرائع خلقاً ووعياً ماجد البسام، وقال: كلمني واحد يقدرك وهو يسلم عليك ويقول لك: كل شحم!! فظننته يدعوني لمناسبة، وقلت: أين ومتى العزيمة يا ماجد!؟ قال بخجل: يقول لك: شحم من أقرب محل بنشر في جدة!! قلت: الله يسد نفسه ونفسك، ووضعت نقطة وانتهى المقال.