بالنسبة إلى رئاسة خالية من الدراما، برز مشهد داخلي دراماتيكي مغلف بطابع ملح عندما توجه الرئيس الأميركي باراك أوباما بخطاب للأمة من البيت الأبيض، وهو خطابه الثالث فقط خلال سبع سنوات، ليؤكد أن مجزرة سان برناردينو كانت في الواقع عملا إرهابيا مرتبطا بتنظيم داعش، على الأقل من ناحية الإلهام والولاء.
لقد أطل الرئيس أوباما أمام الأمة الأميركية ليبث العزم في زمن التحديات ويقدم العزاء في زمن المجازر، ويوضح الرسالة الملقاة على عاتقه في زمن الغموض. وتحقيقا لهذه الغاية، أدلى بتصريحات قيّمة حول أهمية قيام المجتمعات المُسلمة بمحاربة العقائد المتطرفة وعدم إلحاق الأميركيين المسلمين بجانب داعمي التطرف والعنف. والأهم من ذلك كله، أعلن بكل حزم وبلغة لا تحتمل التأويل ومرحب بها بشكل خاص نظرا لبساطتها ووضوحها، عن التزامه بالقضاء على العدو. وبذلك، تخلى عن الخطوة القائمة على إضعاف قدرات العدو كنقطة انطلاق لتدميره في النهاية، والتي كانت فيما مضى خطوة مؤقتة لم توصف بدقة.
إلا أن الرئيس الأميركي لم يكشف قط عن هوية العدو الفعلية، بل لطالما استخدم التسمية المختصرة داعش المعتمدة من قبل الحكومة الأميركية، والتي لا تتبادر إلى أذهان الأميركيين عند سماعها فكرة منظمة عسكرية قوية أو تنظيما إرهابيا بمثابة دولة، بقدر ما يتبادر إلى أذهانهم أحد خصوم جيمس بوند الأشرار.
والأهم من ذلك، على الرغم من عزم الرئيس أوباما وتصميمه، ارتكز خطابه، وفقا لمعلق قناة سي إن إن ديفيد غرجن في تحليله الذي أعقب الخطاب، على ملازمة المسار فيما يتعلق بمحاربة تنظيم داعش بعبارة أخرى، لم يشر الرئيس الأميركي إلى أي تكتيكات جديدة أو عمليات انتشار عسكرية جديدة أو طرق مبتكرة للقضاء على العدو بشكل أسرع. وفي حين قدَّم أوباما عدة مقترحات على صعيد الجبهة الداخلية، كالحرص على منع الإرهابيين المشتبه بهم الواردين على قائمة حظر السفر الخاصة بـإدارة الطيران الفيدرالية من شراء الأسلحة، لم يتطرق إلى الإستراتيجية العسكرية، إلا من خلال إعادة التأكيد على التزامه بعدم نشر قوات برية خشية أن تجد الولايات المتحدة نفسها غارقة مجددا في مستنقع الاحتلال الأجنبي. وهذا في رأيي خطأ.
إن الواقع المرير والصادم هو أن هزيمة تنظيم داعش أمر ضروري، لكنه غير كافٍ. فتنظيم داعش أحدث تجسيد لقوى الظلام المرعبة، وهي التطرف المتشدد الذي أصبح واقعا في هذا الزمن. لقد هزمت الولايات المتحدة هذه القوة عندما ظهرت على شكل تنظيم القاعدة وستهزمها بشكلها الحالي. وللأسف، قد تضطر أميركا للقتال لهزيمتها مجددا في المستقبل، ضمن حلقة مفرغة ستتكرر إلى أن تتخلص الحكومات والمجتمعات والجماعات الإسلامية بصورة فاعلة من العقلية والظروف التي تشكل أرضية خصبة لهذا التطرف.
إذا ما نظرنا إلى المهمة الملقاة على عاتق الولايات المتحدة حاليا من منطلق الحجم الضخم لهذه المهمة، قد نجد أنها شاقة، ولكنها ليست مستحيلة أو مستعصية. فهي تستوجب اتخاذ تدابير فاعلة لمعالجة المشكلات الراهنة في الوقت الحاضر، مع الاستعداد اليوم لمواجهة مشكلات الغد.