من الخطورة التي تداهم مجتمعاتنا استقبال معلومات عبر الفضاء الإلكتروني أو أي وسيلة من وسائل التلقي، بدون أن نكون قد عملنا على تجهيز المتلقي لفكر تحليلي ناقد!
هذا التلقي عمل إرباك جيل بأكمله ، فإما أن ينساق وراء معطيات بدون تحليل ونقد منه، وإما أن يفقد الثقة في كل ما يقال، وهذا هو الأرجح! وهو ما جعل بعض شبابنا ينساق وراء الآراء المتطرفة والفكر الداعشي، ظنا منهم أن هذا هو الطريق الصحيح لأنهم لا يتمتعون بالذهنية الناقدة المتفحصة والباحثة عن النتائج عبر مقدمات بأدلة وبراهين.
ولذا فنحن نطالب وزارة التعليم بوضع منهج التفكير الناقد في المناهج التعليمية منذ مراحله الأولى؛ فلا يقتصر الأمر على اتخاذ القرار فحسب، وإنما يجعل الفرد منا قادرا على التصميم والإنشاء، والتخطيط والإنتاج وأيضا الاختراع.
وفي هذا الإطار قرأت كتابا للدكتورة هند العوفي حول التفكير الناقد، وهو من أهم ما قرأت في تدريب التفكير على التحليل والتفسير للوصول إلى نتائج، وتلك مهمة النقد الأولى لدينا نحن النقاد.
أهمية معرفة مهارات التفكير الناقد لم تعد تقتصر على النقاد المتخصصين والأكاديميين، ولكنها أصبحت ضرورة حتمية لكل فرد منا على مستوى العامة والخاصة، والنشء أهم بكثير وهم في مهب العواصف الفكرية المدمرة للوطن. ولذا أدخلت مصر منهج التفكير الناقد في المراحل التعليمية الأولى بعد الثورة المصرية، بل عملت منذ عامين على عمل ورش تدريبية على أيدي متخصصين في هذا الشأن فهو: نشاط عقلي مركب محكوم بقواعد المنطق والفن من خلال تحديد الأهداف، إثارة التساؤلات، تقصي المعلومات وتفسيرها وتحليلها، استنتاج العلاقة بينها. تقديم الحجج والبراهين لكي يقيم. والتقييم لا يأتي إلا بعد التجربة.
إن تعليم وتقرير منهج التفكير الناقد منذ المراحل الأولى للتعليم يعمل على تربية الذهنية على مهارات الاستنتاج اللحظي والقدرة على التقرير والقرار بدون مؤثرات خارجية كما يحدث لأبنائنا الذين تربيت ذهنيتهم على التلقي السلبي والتسليم بدون عناء أو أي محاولة على الفرز والانتقاء.
ولهذا نجد عوائق التفكير الناقد كما ذكرتها العوفي فتقول: إنه يظهر المعرفة أكثر من ما يملك، ويجد صعوبة في مواجهة المشاكل، وصبره محدود، ويعتمد الحكم السطحي في أغلب الأحيان، ويتشبث بوجهة نظره دون النظر إلى الخيارات والبدائل، ويتعامل مع الأفكار وكأنها أفكاره، ويتأثر بالمشاعر، والتفكير عملية متعبة ومرهقة بالنسبة له).
ثم تذكر معوقات التفكير الناقد فتقول عن هذه الشخصية: يأخذ الطرح على علاته بدون نقاش أو تساؤل، التحيز نحو نقاط معينة، الاعتماد على مصادر غير صحيحة أو قديمة، التركيز على فترة زمنية وإهمال الفترات الزمنية الأخرى، عدم تقبل النقد البناء والإصرار على رأي معين، الأحكام السطحية التي تفتقر إلى التعمق وسبر الأغوار، التفكير المضاد المعارض، الجمود الفكري ضيق الأفق.
وإذا تأملنا ما هو مطروح في معيقات التفكير الناقد في مجتمعنا كما ذكرتها العوفي، سنجد أنها تلك المعضلة الكبرى التي نعاني منها في تلقي الخطاب وفي صناعته أيضا وفي الحوار أيضا، لكن هذه الإشكالية تطرح في كل الملتقيات الإعلامية وبدون طرق لحلها!
أعتقد أن هذه المشكلة قد تجذرت فينا وأصبحنا نجني ثمارها نتيجة تعليمنا الذي يتميز بالحفظ والتلقين، والثقة في كل شيء يقدم لنا دون تفكير بالرغم من أن الله -عز وجل- قد حضنا على التفكير العقلاني (ألا يعقلون) و(ألا يتفكرون)، وتزاوج التفكير بالعقل هو لب هذه القضية!
إن جودة حياتنا لا تستقيم إلا بجودة أفكارنا والقدرة على اتخاذ القرار، فهل آن الأوان يا معالي وزير التعليم لأن ندخل منهج التفكير الناقد في تعليم أبنائنا؟!