خذ مثلا، ومن أرقام الدورة المنتهية السابقة للمجالس البلدية، أن مرشحا بمدينة كبرى مثل خميس مشيط، خامس أكبر المدن السعودية، لم يحتج سوى 103 أصوات كي يفوز بعضوية المجلس البلدي. احتاج أقل الفائزين بعضوية المجلس بمسقط رأسي في سراة عبيدة إلى مجرد 56 صوتا من أجل الفوز بالعضوية، ومن الدهشة بمكان أن محافظة مثل أحد رفيدة، رابع أكبر محافظة في منطقة عسير من حيث عدد السكان، لم تحتج سوى إلى 26 صوتا كي يفوز بالمقعد، رابع التصويت في آخر انتخابات بلدية. وكل ما سبق من الأرقام حقائق من الأرشيف.
تقول التقارير إن واحدا من كل ألف يحق لهم التصويت سيذهبون صباح اليوم إلى صناديق الاقتراع، وهذه نسبة هزيلة لم تحدث أبدا في كل تاريخ البشرية الديموقراطي لفكرة الانتخاب. وبمثل ما ابتدأت: خذ مثلا أن في بيتي الصغير وبالإضافة إلي، أربعة أشخاص يحق لهم الترشح أو التصويت: زوجتي ومازن وابنتاي الاثنتان، وخذ مثلا أنني عندما قلت لهم جميعا إن صباح السبت سيكون يوم الاقتراع للفكرة الديموقراطية الشاردة في حياتهم لم يستطع واحد من هؤلاء الأربعة المؤهلين للترشح والانتخاب أن يعطي الجواب: ما المجلس البلدي وماذا يعني يوم الاقتراع والتصويت؟ وكل الجواب يختصره الابن الأكبر، مازن، وهو يقول بالحرف: كنت طالبا بالأولى الثانوية في المدرسة النموذجية في أبها، واليوم أكمل العام السادس في كلية الطب وما زلت، منذ ذلك الزمن، أحاول تفادي الحفر الأربع في الشارع المؤدي إلى منزلنا بالحي الذي لم تعترف به بلدية المدينة منذ اثنتي عشرة سنة؟ جواب في منتهى الخطورة، وفي الجواب يكمن السؤال: لماذا يذهب مثل هذا الشاب إلى صندوق الاقتراع بعد كل هذه التجربة؟
سأعود إلى رأس المقال: مساء ما قبل البارحة، يطلب أحد الأصدقاء كسب صوتي الشارد الوحيد فكانت إجابتي على الفور: أنت لا تحتاج مع هذا العزوف الجماعي عن صناديق الانتخابات إلى دعم هذا وصوت ذاك. قلت له بكل صراحة: لا يحتاج راغب الفوز سوى لـأكلة وجبة دسمة من تيسين من الحنيذ البلدي عند الواحدة ظهرا ثم دعوتهم بعدها إلى التوجه إلى صناديق الاقتراع. يؤسفني أن أقول بلغة حمراء: أصبح المقعد البلدي بقيمة تيسين.