في الأوساط الثقافية، حين يريد  البعض أن يصف مبدعا أو عملا إبداعيا ما فإنه يتم وصف المبدع والعمل بالجنون، ولا يقصد به بطبيعة الحال الخلل العقلي، إنما يشير هذا الأمر إلى أن ثمة علاقة
-أحيانا- بين الجنون والإبداع، باعتبار كل حالة منهما منفصلة عن الأخرى، ويحيل ذلك إلى حالة مهمة وهي ارتباط السلوك والشخصية المضطربة والقلقة بالإبداع، إذ إن كون شخصية المبدع مضطربة -في
حدود معينة بطبيعة الحال- وغير متصالحة مع العالم الخارجي فإن ذلك لا ينفي صفة الإبداع عنها في الغالب، على الرغم من أن هذا القلق والاضطراب في الشخصية ليس الإبداع مسبّبه بشكل مباشر، إنما
يمكن القول إن الكتابة الإبداعية هي تعبير عن القلق المعتمل في الذهن. وبالتالي فالشخصية القلقة تكون شخصية مبدعة، غير أن ذلك لا يعني بالضرورة كون المبدعين والمثقفين أكثر الناس اكتئابا. الدكتور خليل
فاضل بمقالته الجيدة عن الإبداع والجنون المثقفون ليسوا أكثر الناس اكتئابا يؤكد أن العمليات الفكرية الإبداعية يستخدمها المبدع، وهو في تمام وعيه وعقله في إطار شعوره وملامسته الواقع... هذا يعني
وبكثير من الوضوح أن مفاتيح الذهنية الإبداعية ليست لها علاقة البتة بالذهان (المرض العقلي) أو الجنون. كما يؤكد فاضل أيضا أن: هناك خطّاً رفيعا محددا يقيم حدودا فاصلة بين أرقى أشكال التفكير وأكثرها صحة وغنى (الفكر
الإبداعي)، وأكثر أشكال التفكير فقراً ومرضاً (العملية الذهانية - الجنون)، وهنا فإن المبدع الذي يكون مجنونا في نفس الوقت يمكنه، بل إنه بالفعل يتراوح ويتأرجح غدوّاً ورواحاً ما بين المساحتين.
وفي هذا الإطار أيضا كتب (ميشيل فوكو) المفكر الفرنسي كتابه  الشهير تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي درس فيه طبيعة العلاقة بين العقل والجنون فيما عُرف بعصر التنوير، مؤكدا أن ثمة
علاقة بينهما، على اعتبار أن الفرد قد تكون فيه نسبة من الجنون تنقص أو تزيد، حيث أكد فوكو على وجود حالات معينة من الجنون لدى العباقرة من الفلاسفة والأدباء والشعراء مثل نيتشه، جويا، روسو،
جيرار، دونيرفال، هولدرلين... ولكن حين تتبع فوكو هذه الحالات من الجنون لم يفصل ينها وبين واقعها التي توصف به، بل اعتبر حالاتها المجنونة
متجسدة في أعمالهم، غير أنه فيما  يبدو أن الجنون قد يكون جزءا من الشخصية المبدعة، لكن حالة التفكير الإبداعي التي تعتري هذه الشخصيات حين تبدع هي حالات
واعية -كليا أو جزئيا- وربما لا علاقة لها البتة بنوبات الجنون العنيفة التي اشتهر بها أولئك العظماء الذين قدموا للثقافة البشرية أعظم ما لديهم، ف(نيتشه) و(بيتهوفن) و(فان جوخ) وغيرهم اشتهروا بوجود علات عقلية وأمراض نفسية وعضوية لديهم، لم يمنعهم من يسهموا في ثراء الثقافة الغربية -دون اعتبار لصفاتهم السلوكية- وبذلك يكون الاضطراب -وربما الجنون- هو سمة من سمات المبدعين، لكنه حالة مختلفة عن كونه أرضا خصبة
للكتابة والإبداع والفن. وفي مثل هذه الحالة قدم الدكتور عبدالرحمن بدوي كتابه شخصيات قلقة في الإسلام على أساس أن الشخصيات التي تناولها (الفارسي، الحلاج، السهروردي) أثّرت تأثيرا مذكورا في تاريخ الثقافة في الإسلام،
مما يعني أن القلق الذي يعتري المبدعين ليس قلقا سلبيا؛ إنما هو الفكر النشط والمتجدد الذي لا ينافي  الإبداع والتفكير المنطقي والبحث عن الحقيقة.