ثمة أسباب كثيرة تدفع إلى الاعتقاد بأن القصة السورية ما زالت في فصولها الأولى، وأن فصولا قادمة ستكون أطول وأشد وأدهى. بعض هذه الأسباب منطقية، وناتجة عن قراءة مباشرة للأحداث والمواقف. فمثلا ما زال الفارق شاسعا بين تصريحات قادة الدول المعنية، لا سيما الكبرى منها، وما زالت روسيا تقول إن نظام الأسد هو حليفها الأساسي في الحرب ضد الإرهاب، وأن جيش النظام هو القوة الوحيدة القادرة على هزيمة داعش. وإيران تؤكد في كل يوم أن الأسد هو الخط الأحمر الذي لا تقبل الثورة الإسلامية أن يمس، بينما على الجانب الآخر تجدد أوروبا على لسان زعماء فرنسا وألمانيا وبريطانيا في كل مناسبة متاحة استحالة بقاء الأسد، وتربط رحيله بحل كل القضايا العالقة
في المنطقة والعالم، بدءا من هزيمة تنظيم داعش وانتهاء بوقف تدفق اللاجئين. وأميركا تبدو بصيغ مختلفة وقد حسمت أمرها تجاه رحيل الأسد، رغم أنها لم تبذل الجهد المأمول منها لتحقيق ذلك. ثاني الأسباب المنطقية هو شعور اقتراب النصر لدى الأطراف المتحاربة داخليا، فالمراقب لجمهور الموالاة يلحظ ارتفاع نبرتهم وثقتهم بالنصر القريب مع كل تصرف جديد تقوم به روسيا، إن كان سياسيا عبر التصريحات والمواقف، أو عسكريا عبر وجودها المباشر في الأرض السورية.  فحين أعلنت روسيا دخولها المباشر في الحرب السورية، بدأنا نسمع ونشاهد محللين يدورون في فلك النظام يحددون مواعيد زمنية لإنجاز النصر وعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه، واختلفوا هل هي شهر ونصف أو خمسة أشهر، ولما لم تسر الأمور على الأرض كما يشتهون، بدؤوا يلتقطون أي تفاصيل ليبدؤوا العد منه، فإسقاط تركيا للطائرة الروسية فتح في أفقهم المسدود آلاف الأفكار والآمال، وبدؤوا بنسج السيناريوهات لطبيعة الرد الروسي التي ستبيد الأعداء عن بكرة أبيهم وستحول المدن التركية إلى دمار، وذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك، حتى إن محللا وهو صاحب موقع رسمي في النظام السوري قال: ألم نقل لكم منذ البداية إن ما يحصل في سورية سيؤدي إلى حرب عالمية ثالثة، ها هي قد جاءت وستبدأ خلال أيام.  بعد يومين من إسقاط الطائرة وعدم حدوث أي تصعيد عسكري، جاءت قصة صواريخ إس 400 التي أحاطها الإعلام الروسي وكذلك السوري بهالة شديدة
من الاهتمام، فقد جددت التفاؤل لدى هؤلاء، وبدؤوا ينسجون القصص من جديد، ويحددون المواعيد الزمنية لانتهاء الحرب، وتحقيق النصر النهائي، والطريف أن بعضهم بنى تحليلاته وتوقعاته على عبارات مثل الأهمية
الاستراتيجية لهذه الصواريخ، والمواصفات التقنية...، رغم أنه فعليا لا يعرف الفارق بين إس 400 وبيتزا 12 وتلفزيون 32 ، وهي بالنسبة له مجرد أرقام، أو مجرد أوهام يفلت من يده واحد ليتعلق بالآخر مباشرة.
على الطرف الآخر، ما زال كثير من المعارضين السوريين يدورون في دائرة الأوهام ذاتها، وما زالوا يعولون على أن تغير الولايات المتحدة رأيها في لحظة ما، وتقرر إرسال طائراتها لتقتلع بشار الأسد ونظامه، وتنصبهم مكانه.
هذه الأسباب وغيرها، ولكثرة ما تكررت وتمددت، تؤكد أن القصة طويلة ومتشعبة، وستزداد تعقيدا قبل أن تصل إلى مستقرها، ولكن لدي سبب إضافي قد لا يكون منطقيا ولا واقعيا، وهو أن التاريخ كرر نفسه في سورية بطريقة
مكثفة خلال أربع سنوات ونصف السنة، وكل ما جرى في دول المنطقة والعالم يتكرر حصوله هنا، وهذا ما يدفع إلى الاستنتاج بأن الحرب لن تنتهي حتى يتم التاريخ دورته، وتكتمل فصوله.
لدينا الآن أشخاص وتنظيمات وأحداث تنتمي إلى ما قبل التاريخ مثل داعش وأمثالها، ولدينا ديكتاتور  يشبه ديكتاتورات القرن العشرين كهتلر وستالين، ولدينا انتداب ينتمي إلى عصر عصبة الأمم، ولدينا ولدينا...،
وتنقصنا بعض الأحداث والنماذج من التاريخ كي تكتمل الدورة. فمثلا، لم يظهر أكلة لحوم البشر بعد، تحديدا لم تظهر أعداد كبيرة منهم تم تصوير أحدهم عبر فيديو نشر على موقع يوتيوب، ولم تحدث المجاعات الكبرى، فحتى الآن
عدد من ماتوا من الجوع قليل ومحدود، وهو لم يتجاوز العشرات!، لم يعد الطاعون للانتشار، ولم تقع الزلازل والبراكين. أيتها الأرض السورية الطيبة: كم من الويلات والمآسي
تنتظرك، وكم من الأثمان عليك أن تدفعيها قبل أن تصلي إلى نتيجة بسيطة ومحقة: بعض الكرامة والحرية لمن يعيشون عليك.