لقد قلت مرارا وتكرارا، إن أكثر ما يسيء إلى وطننا محليا، ودوليا، هو معظم إعلامنا بكل وسائله، إما بالمبالغات الفجة المسيئة، مثل إحدى الصحف التي نشرت منذ فترة قريبة أن السعودية تضع خطة اقتصادية لدول العشرين! والصحف والقنوات الأخرى مليئة بأمثلة مماثلة، أو لعدم بذل الجهد المهني، لتقصي المعلومات، والإعلان عمن يحجبها عنها، مثلما تفعل القنوات والصحف التي أشرت إلى تميزها.
والتميز المهني ليس مستحيلاً، ولا ممنوعاً، وسأضرب لكم مثلاً واحداً فالقناة السعودية الأولى، تبث أسبوعياً خبر مجلس الوزراء، وتركز على قراءة الخبر الذي تبثه وكالة الأنباء السعودية، وكما يعلم الجميع فإن المجلس يصدر أسبوعياً قرارات وطنية مهمة، لكن القناة لا تعرض سوى النص، وصور المجلس التي تكررها طيلة قراءة الخبر، أما خلفيات القرارات، وأبعادها وفوائدها للوطن حاضراً ومستقبلاً، فلا شيء مطلقاً، وللموضوعية أحياناً فالقناة تستضيف المسؤول المعني بأحد القرارات، ليعيد ما ورد في نص خبر المجلس، والسلام عليكم! بينما تستطيع القناة جعل قرارات المجلس موضوعاً يستغرق النشرة كلها، بحيث تناقش خلفياته وفوائده، ثم تستضيف مسؤولين ومستفيدين منه للتحليل والمقارنة، والتوضيح، لكن شيئاً من هذا لا يحدث، مع أنه متاح وسهل ومباح، ويليق بقناة رسمية سعودية، فما السبب؟!
السبب في نظري غياب المهنية، وأن من يدير القناة ويعمل داخلها موظفون ينظرون كل لحظة إلى ساعاتهم، متى ينتهي الدوام، ولا أحد يوجههم، أو يقول لهم، الإعلام المهني ليس هكذا!
وعلى هذا قس ما يحدث في بقية الصحف والوسائل، مسموعة أو مقروءة أو مشاهدة. والأمر على هذا النحو لم يعد يحتمل السكوت عنه –في نظري– فالمملكة، وهي عضو قمة العشرين الاقتصادية، وصوتها وفعلها مؤثران سياسياً على مستوى العالم كله القريب والبعيد، واجتماعياً فلديها مواطنون ومواطنات ينافسون أقرانهم عالمياً، سواء كانوا مبتعثين أو من داخل الوطن، وكل هذا يحتاج إعلاماً في مستوى قامتها، ليس للدفاع الفج عنها، كما يحدث كثيراً الآن، بل ليكون إعلاماً فاعلاً قوياً، وليس ردة فعل، سواء داخلياً أو خارجياً، وهي ردة فعل تكون سيئة ومسيئة غالباً، نظراً لعاطفيتها وإنشائيتها، وفجاجتها، كما يحدث أحياناً –إلاّ من القلة– من شتم وتسفيه لمن ينتقد أي شأن من شؤون المملكة، حيث ينقض كثيرون بالشتائم، والمبالغات والتجهيل، مع أن الموضوعية والمعلومات هي الأجدى والأهم، وهي المقنعة للعالم كله، والمملكة –بحمد الله– ليس فيها شيء نخجل منه ولا يستطيع أحد التحدث عنه، وهي فيها أخطاء وسلبيات، ولا مانع من الإشارة إليها ونقدها، لكن فيها إنجازات ومواقف عظيمة، ويمكن الاستناد إليها حين الرد على الاتهامات الخارجية، مع توضيح أن السلبيات في الداخل شأن وطني عام، ومن حق كل مواطن نقدها، ومعالجتها بموضوعية وصدق وإخلاص.
إنني لا أطالب بمعجزة لإعلامنا، بل أطالب بمهنية، ومواكبة لمكانة ومكان المملكة في العالم، وهذا المطلب متاح وسهل، فالمهنيون والمهنيات السعوديون الوطنيون كثر، وهناك قنوات وصحف خارج المملكة تستقطبهم، لأن هذه الصحف والقنوات تعرف أن السعودية هي سوقها الرئيس إعلامياً وإعلانياً، أليس إعلامنا بكل وسائله أولى بهذه الكفاءات من غيرها في الخارج؟!
إنني آمل من الملك سلمان –حفظه الله– وهو رجل إعلام وثقافة ووعي منذ عقود، والناس داخل المملكة وخارجها يعرفون مكانته، وعمق وعيه وثقافته وقربه من الإعلام، لذا أرجوه أن يلتفت التفاتة حازمة إلى هذا الجانب الإعلامي المهم، وقد رجوت مسؤولاً كبيراً قريباً منه، أن يستحثه لإصلاح واقع الإعلام، ويعطيه ما يستحقه من جهد ودعم وغربلة، وأنا –شخصياً– أعرف سبب تحرك الإخبارية، فمديرها الجديد جاسر الجاسر وهو مهني معروف ومن خارج صندوق الوزارة، يحاول، لكن الإمكانات المادية والمعنوية تحول دون تنفيذ كل ما يتطلع ويتطلع المشاهدون إليه، فأين وزارة الإعلام من بقية القنوات، خاصة القناة الأولى التي –كما أظن– لم يعد أحد يشاهدها إلا وقت أخبار التاسعة والنصف غالباً!