اعتدنا أن تمتد ساعات العمل من ثمان إلى عشر ساعات يوميا، واعتدنا أن نحصل على يومين إجازة أسبوعيا، وكذلك اعتدنا عند انتهاء ساعات العمل أن نعود إلى ممارسة واجبات من نوع آخر تجاه بيوتنا وعائلاتنا.
في ذلك الحين، كانت نسبة المصابين بأمراض الضغط والسكر أقل، ونسبة الإصابة بالجلطات وبالسكتة القلبية أقل، وكانت نسبة التعرض لحالات الاكتئاب والإجهاد والضغط النفسي أيضا تكاد تكون نادرة.
كانت ساعات العمل ربما تمتد في أيام معينة فقط، وربما تزيد المسؤوليات لفترة وتخفت أخرى، وربما يضطر البعض إلى العمل في حالات طارئة.
لكن أن يستمر هاجس العمل طوال اليوم دون مراعاة لخصوصية أو لحقوق أسرية، وأن يصاحبنا توتر العمل نهارا ثم ليلا دون رحمة، فذلك أمر جلل.
في الماضي، كان الهاتف الثابت وسيلة الاتصال الوحيدة، وكان الاتصال يحدث في الحالات الطارئة جدا، إذ إن أوقات العائلة مقدسة آنذاك، فعندما يرد اتصال من العمل على البيت فذلك يعني أمرا طارئا، ولا بد من الحضور.
تلا ذلك ظهور الهاتف المحمول، فأصبح من الممكن الوصول إلى الشخص بكل سهولة، ولا توجد لديه حجة غياب، إذ يظهر له رقم المتصل فلا عذر لعدم الرد أو التنصل من المسؤولية، حتى وإن كان الاتصال في غير أوقات العمل.
في الأعوام الأخيرة، ظهرت لنا تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي وأشهرها واتساب.
كما ظهرت مجموعات العمل ورسائل أخبار العمل التي لا تتوقف طوال اليوم وفي كل أوقاته. فلا تعجب أن تستيقظ في الثانية فجرا لتجد زميلا يكتب خبرا أو يرسل استفسارا في العمل، بل يتذمر إن لم يجد الرد عليه في الوقت نفسه.
البعض استبدل المصادر الرسمية واستخدم واتساب وسيلة رسمية للتواصل وأخذ يرسل التعميمات والقرارات والاستفسارات.
ربما كانت بداية ظهور تطبيقات التواصل الاجتماعي لتسهيل الاتصال بين رجال الأعمال والإداريين وأصحاب المصالح. وبالفعل البعض أصبح يتابع عن طريق تطبيق المحادثات ولا يلتفت إلى أي وسيلة أخرى وأهمها البريد الإلكتروني الذي يعدّ وسيلة رسمية موثقة.
والبعض الآخر حذف البرنامج واكتفى بما يرد في البريد الإلكتروني لمناقشة أمور العمل. فهل سوء استخدامنا وسائل التواصل الاجتماعي في العمل أدى إلى إساءة فهم الغرض الأساسي من إنتاجها؟ أم أننا نحتاج إلى قرار يجعل من واتساب وسيلة رسمية للتواصل في العمل؟ وهل لو أصبح وسيلة رسمية ستكون له لوائح وضوابط للاستخدام تحفظ الخصوصية وأوقات العمل؟ أم سيكون ضيفا ثقيلا يرافقنا أينما حللنا وفي أي وقت، شئنا أم أبينا؟
* أستاذ مساعد رئيسة قسم علم النبات كلية العلوم بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة