جدة: الوطن

تبرز الكاتبة والروائية أميمة الخميس، ضمن أهم الأسماء المعبرة عن السلالات الأدبية، فهي ابنة أحد رواد الثقافة والأدب والصحافة  في السعودية الأديب الراحل عبدالله بن خميس (1919 -2011) رحمه الله. وتمثل أحد  النماذج المهمة التي قدمها أحد الأدباء الرواد في مسيرة التنمية والتنوير (والدها ابن خميس)، بدعمه للمرأة، ما يسهل تصنيفه ضمن قائمة المثقف العضوي. المثقف الذي يقف من المرأة الوقفة الطبيعية المنصفة، فينادي بتعليمها، وينافح عنها، حتى وإن لم يتفق معها في مسارها الأدبي.
فـأميمة تنتمي لتيار الكتابة الحديثة مذ ظهورها قاصة إبان حقبة الثمانينات الميلادية، ووالدها يصنف ضمن التيار الكلاسيكي المحافظ، وحين سئل عن أدب ابنته، إبان مواجهة فتيان وشبان الحداثة مع المتحفظين والمحافظين في ثمانينات القرن الماضي، أيام (معركة الحداثة) المفتعلة، كان يطبق عمليا في إجابته المختصرة والمكثفة فلسفته في التنشئة والتربية، مانحا ابنته كينونتها واعتبارها إنسانا راشدا، ناضجا، يعي اختياراته ويعرف كيف يحددها في ممرات العصر، ليعيش زمانا خلق له، محمولا على مقولة أبي السبطين (لا تقسروا أبناءكم على أخلاقكم، فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم)، ليرد ببساطة (لها أدبها ولي أدبي).
وحين حاول البعض تصويره بأنه تقليدي ضد التحديث، هبت (أميمة) للدفاع عن والدها، نافية أن يكون (ضد الحداثة)، معتبرة أن في مثل هذا القول (اختلاساً لكثير من وهج تجربته)، لافتة إلى أنه (كان من أوائل المنادين بتعليم المرأة، وأول من أفسح لها مجالاً للكتابة)، مستدركة أنه (كان يعبّر عن ذائقة مرحلته في الشعر الحديث، وفق ما لديه من تراكم ثقافي).
 تقول أميمة التي أطلق عليها وريثة قلم والدها وشهدت مسيرتها الإبداعية إنتاج 5 مجموعات قصصية، بينها كتابات ضمن أدب الطفل، و3 روايات: محظوظة لأني ولدت في منزل يتعاطى الأدب والشعر، كجزء من الخبز اليومي. كانت الجدران ممتلئة بأرفف الكتب، وكانت الصحف حاضرة ببهاء، خصوصا الجزيرة التي أسسها الوالد، حتى أنها باتت كإحدى الأخوات. وطبيعي أن يكون لهذه الأجواء التي نشأت ونموت فيها تأثير إيجابي في مسيرتي الكتابية، كانت الطريق شبه ممهد لي، تجذر في وعينا أن القلم ومهمة الكتابة لهما اشتراطات مرتفعة ومسؤوليات وبعد عملي، ومسؤولية اجتماعية، تنويرية، بالإضافة إلى الإطار الجمالي، كل هذا يساهم في تجذير المسؤولية التي بدأت من بواكير الوعي.
حين أتأمل رحلتي مع القراءة والكتابة، أتذكر جيدا أن والدي هو الرمز والقيمة والمدى، محاولة خط بضعة أحرف على جزء بسيط من جداره. لعل الوالد كان له صوت جهوري في ما يتعلق بالحق العام، فقد كان يصدح بالحق، ويلامس المسائل الوطنية والهم العام. وأنا أحاول أن أمتلك تلك المهمة العالية التي لديه.
وعما إذا كان يتدخل فيما تقرأ وكيف  يناقشها تقول أميمة لـالوطن: لم يكن يناقشني إطلاقا، ولم يكفف يدي الفضولية يوما التي كانت تجوس بشغف غامر في مكتبته وتطيش بين الأرفف هنا وهناك، بل كنت ألمح نظرة الإعجاب المستترة وهو يتأمل فتاته تكابد نفس لواعجه وأشواقه المتصلة للكتاب، كان يكتفي بتمرير مجموعة القيم والمبادئ العليا إما في أحاديثه أو سلوكه وكان يطلب منا وبصرامه أن نلتزم بها ونعيها.