العالم يترقب ردة فعل موسكو على إسقاط تركيا لمقاتلتها، ورغم أن التكهن بحجمها ونوعها لا يزال مبكرا، إلا أن المؤكد أن الشعب السوري وحده هو من سيتحمل تبعات ردات الفعل

حادثة إسقاط أنقره للمقاتلة الروسية التي انتهكت الأجواء التركية خلال الأيام الماضية ربما تنقل الصراع بين حلف شمال الأطلسي الناتو وروسيا من مرحلة الحرب الباردة إلى حرب ساخنة على المستويات كافة، خصوصاً أن حلبة الصراع في سورية جاهزة، ومهيأة لاستقبال كل الكوارث والمنطقة بشكل عام لا تكل ولا تمل في أن تكون مسرحاً دائماً لصراع الأجندات السياسية العالمية، وتستقبل تبعات ذلك من معاناة وعدم واستقرار وقتل وتشريد وانهيار اقتصادات ودول.
الصراع بين روسيا وتركيا ليس جديداً بالتأكيد، خصوصاً في شمال سورية الذي تحاول تركيا السيطرة عليه ليبقى منطقة عازلة وممراً آمناً للنفط المهرب من العراق إلى تركيا، وروسيا ظلت توجه طائراتها لضرب قوافل النفط في تلك المنطقة بدعوى ضرب داعش وجبهة النصرة التي اتهمت مؤخراً تركيا بدعمها، كما أنها تدعم وتسلح الجماعات الكردية التي تصارع تركيا، وفور إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية أعلنت روسيا إلغاء زيارة وزير خارجيتها سيرغي لافروف إلى أنقرة، وأرسلت سفينة حربية إلى غرب سورية بالقرب من اللاذقية، إضافة إلى نشر صواريخها الدفاعية أ س أ 400، كإعلان استباقي بأنها جاهزة لمواجهة الناتو وخوض حرب جديدة، إذ سارعت تركيا بطلب عقد اجتماع عاجل لحلف الناتو بهذا الشأن.
المؤسف حقاً أن كل هذه التداعيات وآثارها سيكون مسرحها منطقة ظلت تعاني باستمرار من آثار صراعات لا يصيبها منها سوى مزيد من الإفقار وعدم الاستقرار والنزوح والتدهور الاقتصادي وتدمير البنيات التحتية لبلدان المنطقة، فمنذ نوفمبر 2011 عجز العالم عن إيجاد حل للأزمة السورية، وتُرك الشعب السوري يعاني الويلات وحده، ومن قبله فشلت أميركا في الوصول بالعراق إلى منطقة آمنة وتحقيق الاستقرار فتركته لإيران تفعل به ما تشاء، ولا يزال العراق يعاني من الانفلات الأمني والضعف والانقسامات وعدم الاستقرار، ولبنان ظل مقسماً إلى أحزاب ومناطق وجماعات منذ الحرب الأهلية اللبنانية، وفشل العالم في توحيدها وتحقيق الاستقرار، وكأن المنطقة مصابة بلعنة الحروب، ومكتوب لها أن تكون مجرد مسرح لصراعات الدول العظمى وأجندتها وأطماعها.
العالم يترقب ردة فعل موسكو على إسقاط تركيا لمقاتلتها، وعلى الرغم من أن التكهن بحجمها ونوعها لا يزال مبكراً، إلا أن المؤكد أن الشعب السوري وحده هو من سيتحمل تبعات ردة فعل روسيا وموقف تركيا أو حلف الناتو ومن بعده شعوب المنطقة بأكملها على امتداد المنطقة، كما هو حالها باستمرار، ولن يصيب تركيا أو روسيا في أسوأ الأحوال سوى إلغاء بعض الصفقات التجارية بين البلدين، كمشروع المفاعلات النووية، وطرد شركات البناء التركية من روسيا، وربما قطيعة اقتصادية ودبلوماسية بين البلدين.