حالياً أصبح بعض شيوخ القبائل عبئا ثقيلا على أبناء القبائل، وبدلا من أن يكون دورهم مساندا للدولة في تعزيز الأمن والوحدة والولاء، استخدموا المشيخة وتحولوا إلى واحد من أكبر المعوِّقات التي تواجه الناس، بعد أن صاروا شكلا من أشكال الإقطاع، وسببا من أسباب النقمة والتذمر وعدم الرضا، إذ تحول دورهم من متبوعين إلى مسيطرين، ومن خادمين إلى مستغلين، فهم يريدون أن يكونوا مرجعا لأبناء القبائل في كل ما يقدِمون عليه من أعمال، وما يتخذونه من قرارات، ومن المؤسف أن هناك قرارات مصيرية يكون لشيوخ بعض القبائل دور حاسم فيها، مع أن من مصلحتهم تعطيل الحلول، فيصبحون عذابا مضافا إلى الناس، ومصيبة هي أعظم من مصيبتهم، مثل قضايا التجنيس، وما يحصل فيها من استغلال بشع لأشخاص مُعدَمين أصلاً، فبعض شيوخ القبائل يطلب مقابلاً على كل ورقة يقوم بتوقيعها، ويرفض مراجعة دائرة حكومية تتطلب حضوره ما لم يُستجدَى أكثر أو يُضاعَف له المبلغ، ومن لا يقترف هذا الفعل من الناس، إما لعجزه أو ورَعِه، فمصيره التهميش والتعطيل والضياع، فمن الشيوخ من أعاق بعضاً من أفراد قبيلته من الحصول على حق التجنيس لسبب تافه جداً، كأن لا يحضر لمجلسه بشكل مستمر، أو لأنه رآه بالصدفة مع شيخ آخر منافس له في دائرة حكومية، فأقسم بعدها ألا يحصل على توقيعه، وأنه سيوكله إلى وجاهة ذلك الشيخ!
 فيكون المواطن المسكين ضحية لهذه المناكفة بين هذين الشيخين، ومن الطريف المؤلم في هذا الشأن أني رأيت رجلا طاعنا في السن، فلفت نظري أنه ما من مجلس أصادفه فيه، إلا وهو يثني على شيخ قبيلته، فقلت لشخص كان يجلس بجانبي، هل تربط هذا الرجل صلة قرابة بذلك الشيخ؟، قال: كلا، ولعلمك: لم يحصل على الجنسية بعد، مع أن إخوته وكل جماعته مجنسون، والسبب في ذلك أن شيخ قبيلته رآه في الأحوال المدنية بصحبة شيخ منافس، فأقسم ألا يمنحه توقيعه!، ومع أن تلك الحادثة مضى عليها ما يربو على العشر سنوات، والشيخ المنافس الآخر قد ذهب إلى رحمة ربه، إلا أن ذلك الرجل العجوز لا زال يعاني، حتى أنه أسرَّ لبعض المقربين منه: أن لو كان الأمر متعلقا به فسيرفض الجنسية حتى لو منحت له الآن، إذ لا يدري ماذا سيفعل بها بعد أن قارب الثمانين عاما، لكنه: يريد أن يحصل عليها من أجل أبنائه وبناته الذين ما زالوا يدفعون ثمن هذه الغضبة من الشيخ!.
مثل هذه القصص وغيرها قد لا تكون على درجة عالية من الدقة، وقد تكون عرضة للتزييف والتبديل بفعل عوامل الزمن والنقل، لكن الأكيد أن بعض شيوخ القبائل لا زالوا يمثلون شكلا من أشكال الفساد، ونوعا من أنواع الخلل والمعوقات، التي تتجاوز الأنظمة في وضح النهار، وعلى مرأى من الجميع، بما فيهم نزاهة.
في الكثير من الحالات لا يمكن للفرد القبلي أن ينجز معاملته دون الرجوع إلى شيخ القبيلة والحصول على موافقته، حتى لو سلك كل القنوات النظامية، إما لأن موافقة شيخ القبيلة شرط في إتمام المعاملة، وإما لأن بعضا من المحافظين يحيلون كل ما يتعلق بالناس إلى شيوخ قبائل، وهنا يحصل صدام بين سلطة النظام الذي يتسلح به الأفراد ويرون أنه مرجعيتهم في الاحتكام كما هو معروف في نُظم الدول الحديثة، وبين سلطة شيخ القبيلة، وربما يتبادر إلى ذهن القراء الكرام أن نتيجة هذا الصدام واضحة، وأنها ستحسم بالضربة القاضية لمصلحة النظام، لأن سلطة شيخ القبيلة قد وُضِعت على الرف، وحُوِّلت إلى المتاحف، إلا أن الأمر ليس كذلك دائماً، فكثيرا ما تتعطل مصالح مواطنين لمجرد أن شيخ قبيلة قد اعترض، بغض النظر عن مسوِّغات هذا الاعتراض أو قانونيته، والسبب في ذلك إما أنه جهل بالأنظمة أو عدم احترام للقانون من قبل بعض المحافظين.