في الخيط الرفيع الرابط، فإن ما يجمع ما بين رائف بدوي وأشرف فياض هو المرور حياة على أبها وسكنى حي الطبجية الشهير في وسطها. والجملة ليست من باب المعلومة فحسب، بل لأن الرابط فيما ذكرت بعاليه يحمل دلالات أعمق من هذا بكثير، وقد أكتبه ذات زمن قادم حينما تكون الفرصة ملائمة. الشاهد هنا أن الشاعر الفلسطيني أشرف فياض يسير بنا على ذات خطى رائف بدوي التي تحول فيها بلد بأكمله وبكل أنساقه الحقوقية والقضائية وحتى ثقافته ومجتمعه إلى قصة رأي عام دولية بكل المقاييس. وفيما حسبت، ولوحدي، شاهدت ظهور زوجة رائف بدوي على الأقل في سبع عشرة قناة عالمية وكثير منها من برامج النخبة ناهيك عن آلاف القصص الصحافية التي تناولت قضيته بطريقة البريد الأسود. ورغم مرارة هذه التجربة إلا أننا وفي القريب القادم من الزمن سنلمس ونلحظ أن قصة رائف بدوي ستكون مجرد حدوتة صغيرة بالمقاربة مع أثر وتأثير القنبلة الهائلة التي ستحدثها قضية أشرف فياض وسندفع ثمنها باهظاً، وليس من باب التخدير فحسب، إن قلت إن نظامنا القضائي هو أول من سيدفعه وهو مقبل على نبش آلاف الملفات من قبل الإمبراطوريات الإعلامية والمؤسسات الحقوقية.
ما هو المخرج إذاً: دعونا نقبل بالتهمية تماماً على أشرف فياض احتراماً لنظامنا القضائي ولكن تحت الإحالة الكاملة لكل ملف القضية إلى هيئة قضائية جديرة. أكتب هذا الصباح بعد أن قرأت، ولمرات، كامل الأوراق التسع الصادرة من المحكمة. سأكون أكثر صراحة إن قلت إن محققي هيئة التحقيق والادعاء العام أقل قدرة من استيعاب نظريات تحليل الخطاب في كل الدفوعات التي وضعوها بين يدي أصحاب الفضيلة. ومثلهم أيضاً كان محققو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يوم كانوا الخيط الأول في القبض عليه. وكل هذا لا يمنع من احترامي وتقديري للجوانب الحقوقية أو المهنية في الهيئتين. القصة برمتها تحتاج إلى خبراء في عوالم فقه اللغة ومآلات النصوص وأكثر من هذا إلى اختصاصي تحليل الخطاب الحديث وفقه اللغة التوالدية. اللغة على العموم ثورة ألفاظ وكل لغة تضيف إلى قاموسها مع الزمن ما يجعل من القراءة التقليدية للنصوص مدرسة منقرضة. وهنا بالضبط سأحيلكم إلى مقال الزميل العزيز شتيوي الغيثي في صفحة الرأي لهذا اليوم لأنني قرأت فيه أجمل تحليل للجانب اللغوي من القضية.