يتميز الزميل والصديق بدر العباسي بأنه وفي، وهو لمن لا يعرفه بدأ حياته صحفياً، وانتهى إلى خبير في التسويق، ثم رجل أعمال -من جنبها!-، لكنّ وفاءه لم يتوقف عند أقرانه وأصدقائه وأقاربه، وهو وفي معهم جميعاً، وفوق ذلك فهو وفي أيضاً لمن لهم فضل كبير عليه، ويعترف بهذا، ويعلنه، ويفاخر به، ومن وفائه جمعه لكل ما نشر وما لم ينشر، في كتاب، عن الشيخ أحمد صلاح جمجوم جاء في طبعته الأولى تحت عنوان أحمد صلاح جمجوم… الرمز الإنساني والوطني، وتوجه بمقدمة رائعة، تحدث فيها عن تاريخ علاقته بالشيخ، وكيف أصبح في البداية له ابناً، والشيخ كان أباً، ثم تطورت العلاقة، وتعمقت حتى أصبحا صديقين حميمين، وصار بدر موضع ثقة الشيخ جمجوم، ومستودع أسراره، ورفيق رحلاته، ومفاوضاته، وحزنه، وفرحه، وحياته اليومية، والحقيقة أن بدر موضع ثقة، فعلى الرغم مما بينه وبيني كصديقين حميمين، منذ أكثر من ثلاثين سنة، لم يبح لي بسر لم يذكره في كتابه عن الشيخ أحمد صلاح جمجوم.
الكتاب جمع بين دفتيه كل ما نشرته الصحف من مقالات عن أحمد جمجوم، إضافة إلى شخصيات عامة استكتبهم بدر نفسه خصيصاً للكتاب، ممن عاصروا الشيخ، وعرفوه عن قرب، وباب كامل لأسرة الجمجوم رجالاً ونساءً، عبروا فيها عن مواقف الشيخ التي لا يعرفها الناس معهم، وإنسانيته، وعطفه وأبوته لجميع أفراد الأسرة الكبيرة جداً، إضافة إلى المقدمة الطويلة الرائعة التي كتبها، وهي مقدمة تلخص فعلاً شخصية الشيخ أحمد جمجوم الإنسانية والحضارية والخيرية، بل وحتى شخصيته التي لا يعرفها –ربما– حتى أبناؤه، فيما يتعلق بإنسانيته وعطفه، وتسامحه، حتى ممن غشه، وهو يعلم ويدرك عياناً بياناً.
وهذه المواقف التي تعرض الشيخ فيها لصدمات لم يتوقعها، وخذلان لا يستحقه حتى من بعض أصدقائه، مواقف كثيرة، وأنا –شخصياً– أعرف بعضها، وبدر يعرف معظمها، بل وكان رسول الشيخ في كثير منها، واطلع كيف عالجها الشيخ بحكمته، أو تجاهلها وتجاوزها، لكن أخانا بدر لم يسجل منها ولا موقفاً واحداً، تقديراً للشيخ الذي لم يرغب إعلانها في حياته كما ظننت، أو تقديراً للأطراف الأخرى في هذه المواقف، وبعضهم أو أكثرهم ما زالوا أحياء، بل وبعضهم مسؤولون كبار ووجهاء معروفون.
بدر العباسي، نجح بإبهار في توثيق مسيرة الشيخ جمجوم وهي مسيرة حافلة بمواقف رائدة إنسانياً وتنموياً وحضارياً، بل إن جهوده امتدت إلى بلدان كثيرة خارج المملكة، وفي توثيق ما كتبه عنه أصدقاؤه ومحبوه وعارفوه، وقد قلت للأخ بدر إن توثيق وتدوين تلك المواقف التي صدمت الشيخ الطيب -بدون أسماء-، مهم جداً، لمن يقرأ سيرة الشيخ جمجوم، رحمه الله، ولمن يريد أن يتأمل في الحياة والأحياء حوله، لكنه رفض، وهنا عرفت لماذا بدر لم يدون أيَّاً من تلك القصص والمواقف، إذ قال لي: يستحيل أن أخون وصية الشيخ!.