ركزت الحوثية على إضعاف رجال المال والأعمال وصغار التجار لإضعاف كل قوة اقتصادية لصالح السوق السوداء واستنزاف الاقتصاد الوطني والتنمية بكافة جوانبها، ومحاصرة التعليم بشكل ممنهج

 اتبعت الحركة الحوثية التدمير الممنهج لمختلف الفئات الاجتماعية، وإضعاف كل ما يمكنه أن يشكل قوة مقاومة لمشروعهم الأصولي السلالي، والعمل في الوقت نفسه على بناء قوة الحركة الحوثية وبناء أذرع عسكرية وأمنية واقتصادية وسياسية وإعلامية مساندة لمشروعهم على أن يتم تركيز القوة في عصبية عرقية ترى أنها تمتلك اصطفاءً إلهيا وحقا مقدسا في فرض سيطرة شمولية على كل مناحي الحياة، واستعباد الدولة والمجتمع والتعامل معهما كأدوات في خدمة سيد علم مختار من الله، طاعته فرض عين على كل مسلم ومسلمة.
شكلت هذه الإستراتيجية عمودا فقريا للحركة الحوثية، ولا يمكن فهم سلوكها بمختلف أشكاله من استخدام العنف بكافة أشكاله إلى النفاق الوضيع لكسب الآخرين ومخادعتهم وإعماء أبصارهم عن طبيعة المشروع الذي تديره هذه الكتلة الأصولية المتنوعة التي تحكمها نواة صلبة ترتبط عضويا بمشروع الملالي الإيراني. وكل من انخرط في البنية الأيديولوجية الحوثية وهي خمينية مشوهة تستند على مقولات إسلاموية جميعا تدور حول مسألة مركزية وهي الولاية الدينية والسياسية المطلقة في مختار من بني هاشم يبعثه الله ليجدد الدين كله، ويتجاوز المذاهب وكل التراث الإسلامي وحتى الحديث النبوي ويعتمد على تفسير للقرآن يصبح حقيقة مطلقة وجوهر الإسلام وأصله. تتحدث بوضوح ملازم حسين الحوثي عن هذا الأمر وتطلق الحوثية على نفسها المسيرة القرآنية، وما زالت هذه الملازم هي المتحكم الفعلي بالوعي الذي تنتجه الحوثية، وهي بنية أيديولوجية هشة وأقرب إلى الانطباعات التي أنتجتها شخصية معقدة تعاني من عقدة نقص واضطراب نفسي وغرور حدّ الادعاء بأنه مختار هذه الأمة ووريث النبي محمد.
ومن يتابع حربها ضد الشعب سيجد أنها عملت على تخريب النسيج الاجتماعي وتفكيك الهوية الوطنية والتآمر على كل فعل وطني يسعى إلى بناء تحالفات وطنية لمواجهة الانهيارات التي أنتجتها الصراعات السياسية والاجتماعية، وركزت بعد انقلابها بعد أن استنزفت الدولة في حروب ست منهكة على تدمير الاقتصاد الوطني واعتماد سوق موازية سوداء لبناء الثروة واستنزاف ثروة الشعب وتدمير القطاع الخاص، وركزت الحوثية بالذات على إضعاف رجال المال والأعمال وصغار التجار وإضعاف كل قوة اقتصادية لصالح السوق السوداء واستنزاف الاقتصاد الوطني والتنمية بكافة جوانبها وعملت عبر جهد ممنهج على محاصرة التعليم والتنوير والاستناد على وعي غرائزي متخلف في إدارة الصراع وبث الرعب والخوف وتدمير النفسية اليمنية، وتزييف العقول والتلاعب بها عبر أعمال مخططة اتبعت التضليل والتزوير واغتيال وعي العامة في بناء الأوهام وإغراقهم في فراغات القتال المدمر ضد أنفسهم وضد المجتمع والدولة.
وعملت الحوثية وما زالت وبشكل منظم على إضعاف مؤسسات الدولة وإنهاكها وبناء أطر غير رسمية كبديل لمؤسسات الدولة وامتصاص قوة الدولة لتقوية وتجذير الأذرع التابعة للحركة الحوثية وفرض صدمات متلاحقة من خلال عنف الميليشيات وفرض إرادتها وتجميد العمل بأي قوانين أو أعراف إلا تلك التي تساعد الحركة وأذرعها على فرض هيمنة قهرية شاملة.
كل ذلك وغيرها من الأعمال المخطط لها ليس إلا جزءا من مخططات الحرب اللامتماثلة التي خططت لها إيران ووكلاؤها في اليمن، وتمثل استهدافا خطيرا يؤسس لانهيارات شاملة في كافة مناحي حياتنا وتدخل اليمن في فوضى وصدمات متلاحقة، وكل ذلك بهدف تغيير الذهنية وفق الاتساق الحوثية وتدمير كل ما عداها، وهذه الآلية المخطط لها تتشابه كثيرا مع المخططات الإيرانية التي أدارتها في أكثر من دولة عند تأسيس أذرع تابعة لها.
اليمن خاضع اليوم لمخططات الاستعمار الإيراني ولديه من الخبراء في الداخل اليمني ما يساعد الوكلاء المحليين في تنفيذ عملية الهدم الشاملة لوجودنا على المستوى المادي والمعنوي، إنها حرب شاملة تنمو يوميا واستمرار هيمنة الميليشيا وحكم الحوثية واحتلالها للمؤسسات وللمدن يمثل مخاطرة قاتلة، لم يكن التدخل العربي وانبعاث المقاومة الشعبية لتحرير اليمن إلا نتاجا طبيعيا لهذه المخططات وعملا إجباريا لا مفر منه دفاعا عن النفس أمام هذه الجائحة التي تمتلك أدوات إرهابية خطيرة تهدد وجود الشعب اليمني وتهدد أمن العرب القومي.
وأشير هنا إلى أن الحكومة الشرعية والمقاومة الوطنية تحتاجان إلى إعادة وضع مخططاتها متقنة ويكون لديها طول نفس والاستعداد لتقديم التضحيات، فعملية الإنقاذ والتحرير تتطلب مقاومة شاملة وحاسمة فعملية الدفاع عن وجودنا الوطني تحتاج إلى العمل وفق رؤية إستراتيجية شاملة وواضحة وحاسمة، لأن اعتماد إدارة الصراع وفق التكتيك الباحث عن مراكمة القوة دون النظر إلى طبيعة الصراع ومخاطره لا محالة أنه لن يقودنا إلا إلى نصف نصر، كما أن الوضع الراهن للمقاومة يحتاج إلى إعادة بناء، والتركيز على أن الإسناد والدعم العربي رغم أهمية إلا أنه عامل قوة مضافة، فالحرب هي حرب الشعب كل الشعب ضد هذه الجائحة والاستعمار المركب الذي نسجته إيران لجعل اليمن قنبلة من الفوضى مستغلة جشع وأطماع وأوهام الحركة الحوثية وكتلتها المساندة لإدارة حرب ضد العرب.
اليوم تلتحم اليمن وهي أصل العرب بإخوانها العرب في معركة مصيرية فرضت عليهم، وهذا يتطلب من القوى الوطنية اليمنية العمل على امتلاك المشروع الواضح والخطط المتقنة وتوحيد الجبهات وتوسيع المقاومة وتنويع أعمالها وتشكيل جبهات محكومة بمركزية سياسية جامعة بين الشرعية والأذرع السياسية والأجنحة العسكرية ببعديها الرسمي والشعبي، حتى نتمكن من التأسيس لمقاومة شاملة ومنظمة قادرة على حماية مشروعها، فالنصر العسكري ليس إلا الخطوة الأولى في مشروع الألف خطوة للانتقال إلى مستقبل مغاير.
ولابد أن تتنوع أساليب المقاومة وتطور من فاعليتها وآليات عملها بما يساعد على تجاوز الهدم الذي يخطط له المستعمر الإيراني ووكلاهه، ولابد من الانتقال من المقاومة المحاصرة في الجغرافيا المحلية إلى مقاومة مرتبة بمشروع وطني موحد، والانتقال من العشوائية إلى العمل المنظم وبناء لحمة جامعة وعمود فكري ضابط للحركة، وبناء تنسيقات منتشرة وتعمل على مستوى القرية ورفدها بالفكر والروح والإرادة المقاومة وفق صرامة وحسم لا تقبلان أنصاف الحلول مع عمليات الهدم الحوثية لوجودنا.