المساعدة يجب أن تكون للمواطنين عموما وليس لأناس دون آخرين، وإلا فإننا نركز المساعدة على الأقل عطاء وكأنها مكافأة لهم وستعزز مزيدا من الكسل وضعف المسؤولية، كما أن المال العام يشترك في الأحقية فيه الثري والفقير

هناك أزمة فعلا في السكن، ويواجهها خصوصا الشباب الناشئ عندما يجد نفسه عاجزا عن دفع إيجارات السكن أو امتلاك منزل، ولكن هناك العديد من المفاهيم يجب أن نناقشها هنا بعيدا عن الجدل الذي نسمعه.
نلاحظ أن تركيز الناس اليوم على فرض الضريبة على العقار وكأنها المفتاح الأساسي لحل المشكلة، وبعض من يطرح هذه الفكرة يتحدث عن تجار العقار وكأنهم تجار سحت أو حرام، بينما هذا النشاط هو النشاط الأكثر ممارسة من معظم السعوديين! وآخرون - وبعضهم مثقفون- يتحدثون عن ضرورة خفض الأسعار بالقوة وآخرون يسعون إلى ملامسة مشاعر الناس والترويج عليهم بأفكار غير منطقية، وأحيانا مخالفة للعدل والأعراف المعروفة.
كتبت هذا المقال برغبة صادقة للمصلحة الوطنية -أرجو ذلك-، قد لا أجاري رغبة البعض فيه، ولن أسعى لكسب تأييد الناس على حساب ضميري المتجرد -أرجو ذلك- ومصلحة بلدي وأهلي.
أول نقطة يجب أن يسمعها الناس أن تدخّل الدولة في توفير السكن للناس يجب ألا يكون مكافأة للكسالى أو المقصرين وعقوبة للمجتهدين، فعندما يدّخر أناس أموالهم ويحرمون أنفسهم من البذخ أو ربما بعض الحاجيات لأجل حماية مستقبلهم وتأمين سكن لهم يجب ألا يكون هذا السبب مبررا لحرمانهم من مساعدة الدولة لهم، فالكثير مما يطرح اليوم هو يصب في خانة المساعدة للأقل دخلا مثلا أو لمن لا يملك سكنا وهكذا، ولا أعتقد أن هذا الأسلوب منطقي، بل سيدفع الكثير للبذخ وعدم الادخار طالما أن أحقية مساعدة الدولة ترتكز على أساس عدم امتلاك سكن خاص أو على دخل معين! وهذه الطريقة في النهاية ستكون مكافأة للأقل عطاء واجتهادا في أعمالهم أو دراستهم وهكذا.
أعتقد أن المساعدة يجب أن تكون للمواطنين عموما وليس لأناس دون آخرين، وإلا فإننا نركز المساعدة على الأقل عطاء وكأنها مكافأة لهم وستعزز مزيدا من الكسل وضعف المسؤولية، كما أن المال العام يشترك في الأحقية فيه الثري والفقير وغيره، ولا أعتقد أن التمييز على حساب الدخل أو الملكية لسكن في مصلحة الوطن العليا، حيث إنها في النهاية ستعزز اللامسؤولية برأيي. نعم هناك حد معين من الدخل لدى الأسر يجب أن يُعتبر خطا أحمر ويعطي أصحابها الحق في المساعدة، ولكن هذا استثناء وليس القاعدة، ومثل هؤلاء تكون المساعدة فقط بالقدر الذي يمكنهم من العيش بكرامة، ويمكن توفير مساكن مؤقتة لمثل هؤلاء حتى تنتهي حاجتهم، ومن ثم يخلفهم محتاجون آخرون يعانون من الفقر.
نقطة أخرى، وهي موضوع فرض الضريبة على الأراضي؛ أعتقد أنها فكرة جيدة، ولكن ليس بالقدر الذي يسبب انهيارا في العقار، ولا أعتقد أن من مصلحة البلد إطلاقا حصول انهيار مفاجئ، الذي قد يتسبب في سلسلة من الأزمات الاقتصادية، كما أن كثيرا من المواطنين قد وضعوا مدخراتهم في العقار، وليس من مصلحة البلد أن تُشطب قيمة كبيرة من عقاراتهم، التي ربما قد أمضوا سنوات طويلة لأجل استثمارها. نعم نتمنى انخفاضا متدرجا في أسعار الأراضي، ولكن ليس بالشكل الذي يضر باقتصاد البلد ومدخرات المواطنين.
جانب آخر وهو؛ هل الضريبة ستحل المشكلة؟ الجواب أنني لا أعتقد أنها ستحل المشكلة فعلا، فعقارات لندن تعتبر من الأغلى في العالم، بالرغم من أن الضريبة مرتفعة جدا، وهناك أنواع مختلفة في الضريبة على السكن هناك، أبرزها خمسة أنواع (ضريبة الشراء أو البيع، وضريبة السكن السنوية، وضريبة الدخل، وضريبة الميراث)، ومع ذلك فإن عقارات لندن تعتبر من ضمن الأغلى عالميا. كما أن نسبة المواطنين الملاك في لندن لا تتجاوز 58% من سكان لندن حسب BBC، فهل الضريبة هي الحل الذي تعول عليه الوزارة؟
تصوري أن الأساس في أسعار العقار هو في ارتفاع وانخفاض مستوى العرض والطلب، وهذا العامل لا يمكن التدخل فيه إلا من خلال استراتيجية ذات عمق اقتصادي ذي جدوى، وأتصور أن على رأس هذه الاستراتيجية معالجة المشاكل القانونية أولا للنشاط العقاري، هناك مشاكل كثيرة حول العقار والاستثمار فيه، بدءا من قيمة الصك ومدى مصداقيته وتحمل الجهة المصدرة له المسؤولية الكاملة تجاه مصداقية هذه الورقة، وانتهاء بتنظيم قوانين السكن والإيجار بما يُسهل الاستثمار فيه ويؤسس لخدمات محمية قانونا. فعلى سبيل المثال؛ ملاك الشقق في العمائر الكبيرة يبقون في أزمة للتعاون والتنسيق مع بقية سكان العمارة، بينما لا نجد لمثل هذا الحل تنظيما حديثا يعالجه، فضلا عن أزمة مواقف تسببها مثل هذه العمائر للملاك أنفسهم، بالإضافة إلى السكان المجاورين لها، فمعالجة مثل هذا الموضوع سيكون دافعا للكثير كي يلجؤوا إلى هذا الخيار الأقل تكلفة مما يسهم في علاج أزمة السكن، هناك طرق كثيرة للعلاج، ولكنها تحتاج إلى عقل غير تقليدي يبحث عن التجارب الدولية المشابهة للاستفادة منها.
يعاني كثير من الملاك والمستأجرين من المشاكل القانونية في السوق، فالمالك يعاني من المستأجر المماطل الذي يهدد أحيانا باستهتار بأن الإجراء القانوني يأخذ سنوات حتى يعالج موضوع مستأجر مماطل! كما أن المستأجر عندما يقع في يد مالك سليط ويتعرض للظلم والمطالبات غير المبررة، بينما في الحقيقة أن العلاج القانوني صعب ومكلف، ولم تقم الوزارة المعنية بدورها الحقيقي في تنظيم هذا السوق الذي يمس حاجات الناس فعليا.
أخيرا أقول؛ إن المصلحة الوطنية في توفير حلول متنوعة ومن جوانب مختلفة، ومشكلة السكن أصبحت اليوم مطلبا عاما يهم شريحة ضخمة من المواطنين، وأتمنى أن توفق وزارة الإسكان في معالجتها قريبا.