مهارات الناس الحياتية ضعيفة وربما معدومة، وأمر إضافة مادة مستقلة بمسمى 'ثقافة الطوارئ' في المناهج التعليمية، لأجل أن تدرس، سيفيد حتما في تثقيف أفراد المجتمع بكيفية إيجاد حلول سريعة لمواجهة الأمور العارضة والمفاجئة
هطول الأمطار الأخيرة على مدينة جدة أثبتت كم هي الحاجة ملحة إلى أن تنتشر بين الناس ثقافة الطوارئ. فمن غير المعقول أبدا أن تطلب الجهات المختصة من سكان محافظة جدة البقاء في منازلهم، وعدم الخروج من المنازل إلا للضرورة، ويقوم البعض بالعكس تماما.
مجموعات تخرج، ومجموعات تشجع على الخروج، وهذا كله يتم بقصد الخروج، وإشباع الفضول، وكأن تعليمات السلامة التي أرسلت للناس، أرسلت لا لسلامتهم، وإنما للقيام بضدها.
الحقيقة السابقة تؤكد بما لا يدع مجالا للتشكيك، أن مهارات الناس الحياتية ضعيفة وربما معدومة، وأن ثقافة الطوارئ غائبة عن المجتمع، وأن أمر إضافة مادة مستقلة بمسمى ثقافة الطوارئ في المناهج التعليمية، لأجل أن تدرس، سيفيد حتما في تثقيف أفراد المجتمع بكيفية إيجاد حلول سريعة لمواجهة الأمور العارضة والمفاجئة، لغرض تقليل مخاطرها وآثارها المتوقعة.
بناء هذه المادة، وهذا المقرر لا بد وأن يعتمد على تجميع المشكلات المتوقعة، والتمارين العملية على التصرفات المطلوبة للإنقاذ السريع، قبل الإنقاذ المتخصص، ولا يكون تدريس ذلك في الصفوف الأولية، دون الصفوف العليا، بل تقدم في كل مرحلة ما يناسبها.
أعود لأقول، إن أمطار جدة طرحت بواقعها سؤالا عريضا هو: هل يمتلك مجتمعنا ثقافة طوارئ؟، والجواب بوضوح لا، والسبب هو أن هذا النوع من الثقافة غائبة عن أجندة أغلبنا، وأن أكثرنا لا يدرك قيمة الاستجابة للتعليمات إلا بعد التعرض للمخاطر؛ كالصعق، والغرق، وغير ذلك.
ثقافة الطوارئ من العلوم الهامة التي تكشف قدرة المجتمع على التصدي للأحداث غير العادية، سواء الطبيعية، أو تلك التي يتسبب فيها الإنسان، وهي جزء لا يتجزأ من منظومة الأمن والسلامة في المجتمع، وهي ثقافة تبدأ وتبنى من المدرسة، وتمتد إلى الأسرة، وتغطي كل المجتمع، ولا بد أن تكون جزءا من منظومة المعرفة والسلوكيات التي ينبغي أن يحصن الإنسان بها نفسه، ويحصن بها من يعولهم، بالاستجابة إلى التعليمات كما يجب، وعدم مخالفتها، وعلى كل فرد من أفراد المجتمع أن ينال نصيبا من هذه المعرفة، لينفع نفسه، وينفع غيره، بدلا من أن يكون ضحية من الضحايا.
ختاما.. أنوه إلى أن سيول جدة وما نتج عنها من صور ومقاطع مرئية، انتشرت في وسائل التواصل، كانت علامة واضحة على أمور كثيرة، من أهمها: عشق الاستعراض، والسعي بقصد وبدون قصد إلى إلغاء الإيجابيات، وفتح الباب لمن يفهم ومن لا يفهم، ليدلي بدلوه في موضوع السيول، ومهدت بطريقة مباشرة وغير مباشرة للنيل من الجهات المسؤولة، والقائمين عليها.