تتكرر استفزازات حكومة طهران للشعوب غير الفارسية والأقليات الدينية، ما يؤكد تجذّر مشكلة التصنيفات والطبقية في المجتمع الإيراني، مدعومة بسياسة أيديولوجية وفئوية واضحة

يعدّ التنوع العرقي والديني أمرا يثري الدول والمجتمعات ونقطة إيجابية تضيف كثيرا من التنوع الثقافي والأدبي لتلك الشعوب. إلا أن الحالة الإيرانية ربما تكون استثناء في هذا الصدد.
لن نتحدث عن الإساءات الإيرانية لدول الجوار وشعوبها دينيا ومذهبيا وعرقيا، بل سنركز على الإهانات التي تطال الشعوب والأقليات الدينية والمذهبية في الداخل الإيراني. 
منذ انتصار الثورة عام 1979، قامت الدراما ووسائل الإعلام الإيرانية بتوظيف الأبعاد المختلفة للتأثير على الرأي العام، والثقافة الجماهيرية، وفقا للإطار السياسي الإيراني الخاضع لأيديولوجيا ولاية الفقيه.
لذا، أصبح المواطن من الشعوب غير الفارسية في إيران مواطنا من الدرجة الثانية، إذ يعاني أبناء هذه الشعوب من الاضطهاد والحرمان والتمييز العنصري، على المستويات التعليمية والثقافية والتاريخية والدينية والأدبية.
لم يقتصر الأمر على ذلك، بل تجاوز إلى احتقارهم وإهانتهم على المستوى الفني والإعلامي الرسمي.
لعل السبب قد يكمن في سيطرة فئة قليلة من الشعب الإيراني على مقدرات البلاد، وتتحكم في السياسات الداخلية والخارجية، كما نقلت وسائل الإعلام المحلية الرسمية من وسيلة لكل أطياف المجتمع ومكوناته إلى إعلام يتحدث باسم أثنية محددة، ليس ذلك فحسب، بل ويمارس كثير من أفرادها -خاصة من يتسنم منهم المناصب العليا- العنصرية بشكل مباشر وغير مباشر ضد بقية السكان. 
قامت القناة الإيرانية الرسمية الثانية يوم الجمعة الماضي ببث حلقة من برنامج فيتليه التلفزيوني، عرض فيها كثير من الإهانات والسخرية من القومية الآذرية في إيران التي تمثل قرابة 24% من مجموع السكان، والإشارة إلى أنهم أجانب يحتاجون إلى مترجم في العاصمة طهران، علاوة على وصفهم بالأغبياء الذين لا يفرقون بين فرشاة الأسنان وأدوات تنظيف الحمامات.
هذا التوجه العنصري أدى إلى موجة من الاعتراضات ومسيرات الغضب بين الشعب الآذري، قاد إلى مصادمات بين الحرس الثوري وقوات البسيج، والمتظاهرين.
سارعت وسائل الإعلام المحلية في إيران إلى اعتبار هذا الحدث سهوا وغير متعمد، مبينة أنه تم إرسال خطاب توبيخ إلى نائب مدير البرامج الذي يعدّ المشرف العام على البرامج.
الواقع يؤكد أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها السخرية من الشعوب غير الفارسية في إيران، بل سبق أن شهد إقليم أذربيجان احتجاجات عام 2006 بعد وصف صحيفة إيران الرسمية الآذريين الأتراك بـالخنافس.
الشعب العربي في الأحواز عربستان تعرض أيضا لكثير من المضايقات والإهانات، بسبب انتمائه العرقي، إذ قامت سلطات الأمن الإيرانية قبل أشهر عدة باعتقال مئات الأحوازيين بسبب ارتدائهم الزي العربي خلال مباراة كرة قدم جمعت فريق فولاذ المحلي بفريق الهلال السعودي.
كما يتم إطلاق النكت على الأحوازيين ويتم السخرية من لهجتهم عندما يتحدثون باللغة الفارسية.
علاوة على ذلك، في 2014 تعرضت القبائل البختيارية للإهانة خلال إحدى حلقات مسلسل تاريخي يسمى سرزمين كهن (الأرض العتيقة)، وكان يعرض على التلفزيون الرسمي الإيراني، مما أثار احتجاجات واسعة واكد المحتجون أن المسلسل يصور عائلة بختيارية على أنها فاسدة وحديثة الثراء، بل ذهب المسلسل إلى أبعد من ذلك باعتبار هذه القبائل لعبت دورا سلبيا في تاريخ إيران، وأنهم كانوا في خدمة الاستعمار الإنجليزي، أي أنهم كانوا خونة، وهو ما يمثل إهانة لهم ولجذورهم التاريخية.
لم تقتصر الإهانات من وسائل الإعلام الرسمية في إيران على الجانب الأثني، بل تجاوزت إلى الأقليات المذهبية. ففي 2010، أثار المسلسل التلفزيوني مختار نامه (رسالة المختار) انتقادات بين أتباع المذهب أهل السنة والجماعة في البلاد، بسبب تصويره شخصيات إسلامية تاريخية، وبعض الصحابة بشكل سلبي للغاية، إذ أصدر إمام جماعة أهل السنة في إقليم سيستان وبلوتشستان مولوي عبدالحميد فتوى تحرم مشاهدته، وذلك بعد اجتماعه بكبار شخصيات السُنّة في الإقليم.
يذكر أن هذا المسلسل كان يبث على القناة التلفزيونية الرسمية الأولى وقناة القرآن الكريم. عموما، الأمثلة في هذا الصدد كثيرة جدا.
ختاما، تتكرر استفزازات الحكومة المركزية في طهران للشعوب غير الفارسية والأقليات الدينية والمذهبية، الأمر الذي يؤكد على مدى تجذّر مشكلة التصنيفات والطبقية في المجتمع الإيراني، مدعومة بسياسة أيديولوجية وفئوية ومناطقية واضحة، تضع جزءا من مكونات المجتمع في مكانة عالية ومرموقة على حساب بقية الأطياف، مما يقود في نهاية المطاف إلى ترسخ العداء والبغضاء بين المكونات المحرومة تجاه الأقلية التي تعبث بمقدرات وثروات تلك الشعوب من جانب، ومعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية من جانب آخر،
وسيستمر هذا الوضع ما استمرت الرؤية الحالية القائمة على تهميش نصف الشعب، وممارسة العنصرية ضده على المستوى الرسمي والإعلامي والثقافي والديني.