قضية منع بناء المآذن في سويسرا وهي القضية التي شغلت الرأي العام .

قضية منع بناء المآذن في سويسرا وهي القضية التي شغلت الرأي العام لم تكن الأولى فيما يخص موضوع صعود اليمين الأوروبي المتطرف والهجوم الذي يتعرض له الإسلام في أوروبا فقد سبقه عدد من القضايا مثل فيلم فتنة للنائب الهولندي المتطرف خيرت فيلدرز وكذلك قضية الرسوم المسيئة وغيرها مما مثل مؤشرات على هذا الأمر، ولكن تختلف قضية المآذن في كونها مثلت الترجمة السياسية الأولى لتوجهات اليمين المتطرف في أوروبا ضد المسلمين من خلال سنّ قوانين على الأرض تؤسس لمثل هذه التوجهات، ولكن هذه القضية من جهة أخرى تمثل نموذجاً واضحاً لأوجه العجز في الفهم العربي تجاه ديناميكيات المسألة وكذلك أوجه القصور لدى السياسة العربية في التعامل معها ومع غيرها من القضايا المشابهة والتي تتعلق بهذا الموضوع الهام والمرحلي بالنسبة للمسلمين بصورة عامة والذي يتعلق بالعنوانين العريضين: الإسلام وأوروبا.
يذكر أنه وحتى وقت التصويت على مشروع قرار منع بناء المآذن لم يكن في سويسرا سوى 4 مآذن فقط، وجدير بالذكر أيضاً أن مسألة هذا القرار لم تكن نتاج يوم وليلة فالاستفتاء الذي تم في نوفمبر 2009 كان قد بدأ في الواقع في عام 2005 عندما عارض عدد من السكان في أحد الكانتونات (الولايات) شمال سويسرا قيام مركز إسلامي تركي ببناء مئذنة فوق مبناه، وهو الأمر الذي تحول إلى نزاع قضائي انتهى بتأكيد المحكمة الفيدرالية العليا في يوليو 2009 أحقية المركز في بناء المئذنة، على أن حزبين يمينيين (حزب الشعب السويسري والاتحاد الديموقراطي الفيدرالي) قاما في 2006 بمحاولة استصدار قوانين في الكانتونات السويسرية المختلفة تحظر بناء المآذن وخلال هذه المدة فشلت كل محاولاتهم نظراً لكون مشروع القرار المطروح (وهو منع بناء المآذن) غير دستوري وهو الأمر الذي يعرقل أن تقوم البرلمانات الولائية في الكانتونات المختلفة من التصويت عليه.
في عام 2007 قام هذان الحزبان بالتقدم لمحاولة إطلاق مبادرة شعبية (popular initiative) تهدف لتعديل الدستور الفيدرالي الذي يحكم كل كانتونات سويسرا بحيث يتضمن منعاً لبناء المآذن، ومثل هذه المبادرات الشعبية لا تخضع في سويسرا لسلطة القضاء الأعلى حيث إنها تمثل إرادة شعبية مباشرة بالتصويت لتغيير الدستور، ويشترط في المتقدمين لمثل هذه المبادرات هناك أن يجمعوا 100 ألف توقيع يؤيد التقدم لها في خلال مدة 18 شهراً، وهو ما حدث وانتهى بطرح المبادرة للاستفتاء العام الشعبي في نوفمبر 2009. والتي انتهت بفوز ضئيل بنسبة 57% تقريباً فقط.
والسؤال: أين كانت السياسة العربية والإسلامية طوال هذه المدة الممتدة من 2007 وحتى 2009 من رصد هذه التطورات ومن تطوير استراتيجيات للتواصل مع السويسريين؟ وأين كانت سفاراتنا العاملة على الأرض في سويسرا من هذا الشأن طوال تلك المدة؟ وأين دور الدبلوماسية العربية والإسلامية في شحذ همة المنظمات غير الحكومية العربية والإسلامية المعنية بهذه الشؤون للعمل على محاولة التصدي لمثل هذا التوجه؟
عندما برزت لنا قضية المآذن لأول مرة كان ذلك في سياقها الأخير حيث احتلت قضية المآذن واجهتنا الإعلامية نتيجة صورة ملصق الحملة والتي كانت تمثل امرأة منقبة على خلفية لعلم سويسرا بينما المآذن مثل الصواريخ فوق ذلك العلم، في حينه كان الخبر الأهم هو صعود اليمين المتطرف في أوروبا، نقاشنا الإعلامي تمحور حول تحليل صعود اليمين المتطرف، وتحركنا السياسي جاء على مستوى الدبلوماسيين مع الحكومة السويسرية، وبينما لم يكن للمسألة أي علاقة بالحكومة السويسرية وهي كانت أول مناهض لهذا القرار الذي يمثل تصويتاً شعبياً مباشرا نحو تعديل الدستور، وبالمثال فإن تعامل إعلامنا مع المسألة تم ضمن القوالب الجاهزة لفكرة علاقتنا بالآخر وصعود التطرف الأوروبي ودون الغوص في تفاصيلها السياسية والاجتماعية العميقة.
ما تكشفه المراجعة المتأنية لقضية المآذن هو أن إعلامنا مهتم بالعناوين الساخنة والأخبار التي تزيد من نسب التوتر أكثر من اهتمامه بالتحليل المتعمق وبالبحث عن الخبر، وأن دبلوماسيينا مهتمون بأضواء الكاميرات وقاعات الاجتماعات أكثر من اهتمامهم بالعمل. إن ما تعكسه قضية المآذن هو غياب إرادة التغيير والعمل على مستوى الأجهزة المعنية، وغياب الدور السياسي والعربي الدبلوماسي المطلوب في هذا الشأن، والسؤال هو: هل كان هناك ما يمكن عمله حقاً؟ وهل كانت هناك فرص كان من الممكن اقتناصها؟ وإذا كان – وهذا هو الأهم – ما هي الدروس المستفادة من هذه التجربة؟ هذه الأسئلة هي ما سيحاول المقال القادم الإجابة عليها بالتعاون مع الأستاذ عزيز فهمي – الإعلامي المعروف – والذي كان متواجداً في سويسرا قبل التصويت ويتواجد هذا الأسبوع أيضاً بعد مرور عام عليه.