كان لدينا في سنوات ماضية نعمة توظيف اسمها اشتراط اللغة الإنجليزية! وكنا نقول هذا تعجيز! وهو كذلك، لأن مدارسنا وجامعاتنا لا تعلم هذه اللغة، لكن الأبناء والبنات اتجهوا إلى تعلمها عبر دورات في الداخل والخارج وأتقنوها في الغالب.
ثم جاءت نغمة توظيف اسمها اشتراط الحاسب الآلي! وكنا نقول هذا تعجيز! وهو كذلك لأن مدارسنا وجامعاتنا لا تؤهل الجميع لهذه المعرفة، لكن الأبناء والبنات أتقنوا الحاسب عبر دورات في الداخل والخارج.
وقد صاحب النغمتين وما زال إلى الآن مقولة كثير من الأكاديميين والمتنورين العاجيين! إن الجامعة ليست مهمتها تأهيل موظفين! وكنا وما زلنا نقول: صدقنا وآمنا فما هو دور الجامعات؟ قالوا: تأهيل خريجيها للبحث وليكونوا علماء المستقبل، قلنا: حسناً لكنّ هؤلاء الباحثين والعلماء المنتظرين تخرجهم جامعاتنا بمئات الآلاف سنويا وتفكهم يبحثون عن وظائف فلا يجدون فماذا يفعلون؟! ويستمر الجدل، والخلاصة أن الجامعات -أو أكثرها- تغطي على عجزها في التأهيل بمقولة أنها لا تخرج موظفين! وهو عجز ممتد بين التعليم العام والجامعات.
الآن أبناؤنا وبناتنا يجيدون اللغة الإنجليزية والحاسب الآلي بجهودهم الذاتية وبعضهم -بفضل الابتعاث- تعلموا خارج المملكة وعادوا وغالبية خريجي الداخل والعائدين من الخارج ما زالوا على قارعة انتظار الوظيفة!
إحصائية وزارة الخدمة المدنية تقول إن لديها أكثر من ستة وسبعين ألف وظيفة حكومية يشغلها متعاقدون وهي -كما تقول الوزارة- في حكم الشاغرة تنتظر السعوديين المؤهلين.
وحسب مصلحة الإحصاءات العامة فإن عدد العاملين الوافدين في المملكة حتى نهاية 2014 بلغ ستة ملايين ومئة وأربعين ألف عامل، فإذا افترضنا أن نصفهم أو أربعة ملايين منهم يؤدون أعمالا لا يقبل عليها السعوديون والسعوديات أو في تخصصات لا تتوافر لدى السعوديين من الجنسين، فإن لدينا على الأقل مليوني وظيفة تعتبر في حكم الشاغرة للسعوديين! ومع نصف ما لدى وزارة الخدمة المدنية يكون المجموع مليونين وخمسين وظيفة شاغرة للجنسين! وفوق هذا فالأبناء والبنات الآن أثبتوا جدارة واضحة في الانضباط، فهم يداومون اثنتي عشرة ساعة في وظائف كاشير وبائعين وسيكيورتي ونحوها من الوظائف المتدنية راتبا ومستوى!
وحسب إحصائية مصلحة الإحصاء فإن البطالة بين السعوديين والسعوديات وصلت إلى 11.8% في نهاية 2014 وعدد المواطنين بلغ 20.7 مليون نسمة، يعني مليونين ونصف المليون سعودي وسعودية، فإذا افترضنا أن نصف هؤلاء على الأقل جامعيون وجامعيات مؤهلون وكثير منهم في تخصصات نادرة ومطلوبة مثل طب الأسنان والصيدلة وهندسة البترول والتقنية الحيوية والهندسة بفروعها والحاسب الآلي بتفاصيل تخصصاته والمحاسبة والإدارة والتربية والتمريض... إلخ فأين المشكلة ولدينا مليونا وظيفة ومليونان ونصف المليون عاطل؟ لماذا لا يتوظف المليونان الآن يا وزارة الخدمة المدنية ويا وزارة العمل؟ لماذا لا يتوظف أبناؤنا وبناتنا؟ التأهيل موجود والوظائف موجودة فأين المشكلة؟
المشكلة أن القلم مرفوع عن وزارة الخدمة المدنية حتى تستيقظ! أمَّا وزارة العمل فأعتقد أنها بحاجة إلى تغيير متاهات بورتيوس التي تعتمدها للتوظيف إلى فكر جاك ويلش وعليها أن تبحث عنهما وتهجر الأولى وتستفيد من الثاني، فليس مطلوبا منها اختراع العجلة! فقط تقلد والتقليد أظنه سهلا وليس صعبا، ثم لا بأس بعد ذلك من توليد الوظائف وتكثير نسلها فالمواليد بالكوم!
يبدو لي أن وزير الإسكان الموقر من حيث لا يقصد وضع يده على الجرح عندما قال إنها أزمة فكر!، لكنها ليست عند المواطن، إنها أزمة فكر إداري قاتل لكل طموح عند كثير من المسؤولين مع الأسف!.