كنا نظن أن وزير الإسكان الجديد جاء ليغير ثقافة وزارته وتصبح أكثر فعالية، لكن اكتشفنا أنه كان مشغولا طوال الفترة الماضية بتغيير ثقافة المجتمع تجاه المسكن!
زبدة كلام الوزير الشاب في اللقاء الشهري لمركز أسبار، أن على المواطن قبول السكن بشقة بدلا من الحلم بامتلاك فيلا أو منزل مستقل. لكنه جابها بطريقة ديبلوماسية عندما قال إنهم يعملون على تغيير ثقافة المسكن لدى المجتمع، على اعتبار أن الثقافة الحالية تمثل جزءا من مشكلة الإسكان.
بالمناسبة، ليست المرة الأولى التي نسمع فيها مثل هذا الكلام، فقبل سنوات عندما ارتفعت أسعار الغذاء، وبدلا من معالجة أسباب ارتفاعه ومحاسبة المتسببين، وجه وزير التجارة الأسبق اللوم إلى المواطنين مطالبا إياهم بتغيير عاداتهم الغذائية!
على هذا المنوال، لا أستبعد أن تطالب وزارة الصحة بتغيير ثقافة النسل إن أردنا الحصول على خدمات صحية جيدة، باعتبار أن تعدد النسل أحد أسباب مشاكل الصحة في البلاد. ومثلها وزارة النقل عندما تبتكر ثقافة السفر وتحث المسافرين على تقليص عدد مرات السفر على طرقها، لنحصل على طرق جيدة وخالية من التحويلات!
عندما يعجز المسؤول ـ أيا كان ـ عن تحقيق آمال المواطنين، يبدأ البحث عن شماعة لتعليق عجزه عليها، وأعتقد أن رجالات وزارة الإسكان اكتشفوا أنهم في ورطة حقيقية، بعدم قدرتهم على استثمار ما لديهم من إمكانات، فعمدوا على تشتيت الانتباه آخذين بمبدأ خير وسيلة للدفاع الهجوم، وخرجوا بـثقافة المسكن التي تقوم على أنها أحد أسباب أزمة الإسكان!
ماذا لو توقف القائمون على الإسكان عن إضاعة الوقت بالتنظير، وسعوا بشكل جدي إلى استثمار الـ250 مليار ريال المخصصة للإسكان وجعلوا من توفير المسكن واقعا. خصوصا أن هذه المبالغ موجودة، ولا علاقة لها بميزانية كل عام.
أليس ذلك أجدى من حصر حلول أزمة السكن في حشر المواطن وأسرته في شقة أوغرفتين؟!
ثم من يضمن عدم تطور ثقافة المسكن، وتوقفها عند خيار الشقة، فربما تتقلص لاحقا إلى ملحق بغرفتين، ولا ينتهي ذلك التثقيف إلا عند غرفة فوق السطوح بمطبخ وحمام مشترك مع الجيران؟!
وبعيدا عن هذا كله.. أعتقد شخصيا أن ثقافتي السكنية -إن صحت العبارة- عاجبتني، وأرى أنها ثقافة عريقة أستمدها من احتياجاتي الاجتماعية والأسرية، ولن أقبل استيراد ثقافة مسكن أخرى لا تناسبني، لأني أراها من التغريب السكني!