مكافحة الإرهاب والتطرف والوقاية منهما عبر برنامج 'فطن' يجب أن تقوم على الاختيار الواعي للأفراد الذين سيقومون عليه، والذين سيلتقون ويحتكون بالفئات المستهدفة ويتعاملون معهم مباشرة
يعد برنامج فطن من أحدث البرامج التي دشنتها وزارة التعليم يوم الخميس الماضي 20 أكتوبر، والذي قال عنه وزير التعليم الدكتور عزام الدخيل إنه رسالة المملكة ورسالة وزارة التعليم تجاه العالم كله، وأعدّ أن أهمية هذا المشروع تكمن في أن المملكة تخوض مرحلة خاصة وحرجة تتطلب وعيا ويقظة وقدرة معرفية وفكرية على مواكبة الأحداث التي تحيط بنا داخليا أو خارجيا، وألمح أثناء التدشين إلى أن البرنامج يُعنى في المقام الأول بتنمية المهارات الذاتية وتطوير مستوى التفكير الناقد لدى الشباب.
وبالطبع، فإن أُحسن استغلال هذا التفكير والوعي فإنهما سيقودان إلى أن يستطيع الشباب التكيف مع الأحداث والتعامل مع المشكلات بطريقة صحيحة والمساهمة في بناء وتحضر الوطن وحمايته من أي تهديد داخلي أو خارجي قد يتعرض له.
ومن أهداف برنامج فطن التي أعلنت في حفل التدشين: وقاية الأبناء من الانحرافات الفكرية والسلوكية، المتمثلة في مشكلات عدة، أبرزها الانتماءات المشبوهة إلى جماعات متطرفة، أو تبني الأفكار الضالة.
يأتي اهتمام وزارة التعليم التي تضم تحت جناحها الآن أكبر وأهم شريحة في المجتمع، شريحة الشباب من الجنسين في مدارس التعليم العام وفي التعليم العالي، يأتي بعدما أفاقت، والمجتمع بصفة عامة، على صدمة انحراف كثير من الشباب وانخراطهم في صفوف الإرهاب، وجنوحهم نحو الإساءة إلى الوطن بالعمليات الإرهابية والتفجيرية التي ما زلنا نعاني آثارها حتى اليوم، أو في أقل الأحوال إيمانهم بمثل هذه الأفكار ودفاعهم عنها، مع وجود عدد آخر نجا من نار التطرف والإرهاب والانحرافات الفكرية، ووقع في فخ الانحرافات السلوكية كتعاطي المخدرات أو ما يُعرف حاليا بظاهرة الدرباوية.
هذا الاهتمام هو إدراك -ولو كان متأخرا- بأن تأثير المدرسة والجامعة لا يقل عن تأثير الأسرة إن لم يكن يفوقها، وأنها هي المحضن الأول للنشء الذي قد يترك بصمته عليه مدى الحياة، متى ما أُحسن توجيهه أو العكس.
المشاكل التي تعرض لها الوطن من إرهاب على يد بعض الشباب، هي نتيجة توجيه فكري مسبق من جهات وأفراد استطاعوا الوصول إلى هؤلاء الصغار، واستغلال أرض عقولهم البكر لزراعة ما يشاؤون فيها من أفكار وتوجهات ومفاهيم، وجعلها مسلمات تقوم عليها أنشطتهم وتحركاتهم التي غالبا لا يستطيع أحد إنكارها أو جدالهم فيها أو منازعتهم عليها، لأنها ترتدي ثوب التدين وتتمترس خلفه.
فالتعامل الأول مع الإرهاب ومكافحة التطرف والوقاية منهما عبر برنامج فطن، يجب أن يقوم في الأساس على الاختيار الواعي والدقيق للأفراد الذين سيقومون عليه، والذين سيلتقون ويحتكون بالفئات المستهدفة ويتعاملون معهم مباشرة، فمهما كان الميثاق الذي يقوم عليه هذا البرنامج، أو المادة التي أُعدت له، يبقى الشخص الذي يعمل عمل القناة الموصلة لقناعة واعية وفكر سليم للأبناء هو الأهم، سواء كان هذا الشخص يتبع وزارة التعليم أو الجهات المتعاونة معها أو من النخب المختارة في المجتمع، والتي قد يُستعان بها في تنفيذ هذه الحملة أو تدريب بعض المشاركين أو التحدث إلى الفئات المستهدفة.
وحسبما ذكر وزير التعليم في حفل تدشين برنامج فطن، فإن العمل على إنجاح هذا البرنامج عمل تكاملي، لا يمكن أن يتم دون إشراك كل العناصر التي تحيط بالشاب، والتي يوجد فيها بدءا من البيئة المدرسية والمناهج والوسائل التقنية الجديدة والإعلام والأسرة والمجتمع.
كل واحد من هذه الأمور يحتاج كثيرا من البرامج الفرعية التي تعتني به، وتوصل لها فكرة الأمن الفكري والاعتدال والوسطية التي نريدها الآن.
من أهم ما يهدف له البرنامج حسب رؤية من وضعه تنمية المهارات الذاتية، وتطوير مستوى التفكير الناقد لدى الشباب.
هنا أتساءل: هل يوجد بالأساس لدى طلابنا منذ مراحلهم الأولية وحتى الجامعية مهارة التفكير الناقد حتى نحسّن من مستواها؟
ولمعرفة الإجابة بإنصاف، دعونا نتتبع حياة أحد الطلاب من الشباب أو الشابات في أي مرحلة دراسية، أو حتى من الأطفال في سنين تكوين وعيهم الأولى ونحت شخصياتهم في تكوينها الفطري، وننظر كيف يبدأ يومه وكيف ينهيه وما كمية القمع والإسكات والتلقين والتلقي دون اعتراض، والتي يمر عليها في البيت والمدرسة من الوالدين والمعلمين والمناهج وبقية مكونات المجتمع التي تعمل جميعها بوعي أو دون وعي على سلب شخصيته الناقدة والمتحررة بطبعها نحو التساؤل والاستفسار والاعتراض على البديهيات الهشة والسائدة، وتخلق داخله مع الوقت واجترار المواقف المكرورة واستخدام كلمات وأدوات القمع، مثل لا ولا يجوز وحرام وعيب، شخصية مهزومة ومسلوبة قابلة للانقياد والافتتان بما قد يبهرها من كلام وأفكار قد تجرها إلى انحرافات فكرية وسلوكية.
هذا الطفل والشاب هل يستطيع أن يقول رأيه داخل المدرسة أو وسط الأسرة دون أن يوقفه أحد الكبار، أو يسفّه ما يقول حتى ولو كان بالفعل تافها أو لا معنى له، أو يعترض على جرأته في التحدث ويعدها نوعا من سوء الخلق والتأدب والاحترام، فضلا عما قد يسببه عدم الاحتواء والإنصات هذا للنشء من بحثهم عن حضن يستوعبهم ويستمع إليهم ولو كان ضد مصالحهم ويضر بهم، فإنه يقتل لديهم مع الوقت الرغبة في البحث والتساؤل وتمييز الحقائق بعد تعريضها للعقل والحكمة والتساؤل والصواب والخطأ، وهذه بعض مهارات التفكير الناقد الذي يعتلي قمة هرم بلوم المعرفي الذي يعرفه كل معلم وتربوي ولكنه لا يحرص على الوصول بمن يعلمهم ويربيهم إلى أعلاه!
يقول المفكر الإسلامي والناشط السياسي الرئيس الأول لجمهورية البوسنة والهرسك علي عزت بيجوفيتش: حين نعلّم الإنسان التفكير فإننا نحرره، وحين نلقّنه فإننا نضمّه للقطيع. الأمل في فطن أن يحرر النشء من هيمنة القطيع.