لا انحيازا إلى هذه الوطن ولا تضامنا معها إن قلت إن الخبر الأبرز على الصفحة الأولى من بين صحفي الأربع المفضلة، كان التحقيق الصحفي الجريء عن: 500 حديقة مسلوبة في مدينة جدة.
يؤسفني جدا أن أمانة جدة وبلدياتها المختلفة لم تستيقظ بعد من هزائمها التاريخية، ولم تستوعب حتى هذه اللحظة قصصها المؤلمة مع الكوارث. يؤسفني جدا أن هذه الأمانة وبلدياتها ووكلاءها ورؤساء أقسامها لم يتعلموا حتى اليوم كل دروس جرجرة الأمناء والوكلاء ورؤساء الأقسام السابقين إلى المحاكم في القضية الشهيرة.
يؤسفني جدا جدا أن أكتب اليوم أن هذا الكارتيل الإداري في أمانة جدة وبلدياتها وأقسامها استطاع، وبدهاء وفطنة، أن يدرك أن جلجلة المحاكم في كل الكوارث السابقة لم تنته أبدا إلى سجين واحد أو مدان فرد في كل الشعاب ومهابط الأودية التي تحولت إلى مخططات مكتملة.
قفز كل هؤلاء من تحت أو من فوق السوق العرمرم الذي أودى بحياة العشرات، ولهذا اقرؤوا ما يلي:
ما الذي تعنيه قصة صغيرة جدا مثل سلب 500 حديقة في الفراغ البراح ما بين الشوارع والعمائر؟ وسأكتبها اليوم بكل وضوح: ماذا لو وجهنا للمواطن البسيط أو المعقَّد أيضا هذا السؤال في أي ركن أو زاوية أو محافظة من هذا البلد بأطرافه الواسعة: ما الإدارة الحكومية أو المبنى الإداري الذي تعتقد أنه رأس هرم الشبهة والشك من بين كل مباني وإدارات أجهزتنا العامة المختلفة؟
والجواب أنني أعتقد بحزم وجزم أن اثنين لن يختلفا في الجواب.
سأختم: تكمن المفارقة المضحكة أن بلدية مثل تلك في مسقط رأسي بسراة عبيدة تمتلك ضعف المساحة التي تمتلكها أمانة كبرى مثل أمانة جدة. الفارق أن قيمة حديقة واحدة مسلوبة على شاطئ العروس ربما يساوي أضعاف كل أراضي وشعاب وجبال وسهول مسقط رأسي الواسعة الشاسعة. التحقيق الصحفي لا يتحدث عن مجرد 500 حديقة مسلوبة، بل عن تسعة ملايين متر مربع أخرى وأين: في المسافة الذهبية ما بين الخمرة وأبحر. هنا سأختم ساخرا جادا بطرح هذا السؤال الخطير: لماذا يجاهد موظف مدني ويسابق على الترقية إلى المرتبة العاشرة في سراة عبيدة أو التابعة في بلدية الحرجة طالما أن المرتبة الثالثة في أمانة جدة ستعطيه في ظرف عام واحد أضعاف ما يمكن الحصول عليه في سباقه الوظيفي متنقلا من محايل إلى البرك، ومن الحرجة إلى سراة عبيدة.
يؤسفني لليوم الثالث على التوالي أن أكتب: انتهت المساحة.