الحياة في هذه الأرض، والتي منذ مدت قراها، وأزهرت حقولها، وأينع ثمر زمانها، هي والطرب متلازمان لا يفصلهما شيء.. وحين تجمد حياتها وطربها فإن هذا يعني شللا كاملا في حياة هذه الأرض.
حين يحرم أحدهم ما هو جزء أساسي من حياته، وهو ابن القرية الذي يعلم ألا رعي بلا واح ومزمار، ولا صريم بلا زامل، ولا حماة بلا صوت مرتفع، ولا عرس بلا خطوة وزحفة وشهري وبيشي.. لا هود بلا بدع (قيفان)، لا.. ولا.. ولا حياة دون طرب.. فكيف يريد أن تتحول حياتنا من فضاءات للفرح، ودروب للسعادة والبهجة، إلى سراديب عزاء يلفها التجهم والسواد والرهبة والتوعد بالعقاب والعذاب والويل والثبور وعظائم الأمور؟!
الاختلاف الوارد في حكم الغناء لم نعلم أنه تطرق إلى الرقصات الشعبية التي هي أداتنا التي نعلن بها أفراحنا.
هناك فرق بين أن نذهب إلى مخيم دعوي، وبين أن نذهب إلى مخيم عرس أو احتفال بالعيد!!
الأول يكون الناس متأهبين فيه لسماع الدرس والوعظ، وبذلك يحق للواعظ أخذ وقته كاملا، لأن هؤلاء الناس جاؤوا بمحض إرادتهم.. أما الثاني فيقبل الناس إلى مكانه وفي أذهانهم أنهم مقبلون على الترويح عن أنفسهم من روتين يومهم، وعلى التعبير الجمالي والفني عن الوجه المضيء من الحياة، فيظهر لهم فجأة من يقلب العرس مأتما، مصرا على أن الحياة هي الجانب المظلم فقط.. يستحضر فتن آخر الزمان، وعذاب القبر وما بعد الموت.. إلخ.. يصاب الناس في هذه الحالة بالضجر، ويكرهون الواعظ وإن تظاهر منتفعوهم بغير هذا.. يخرجون وقد تبلدت أحاسيسهم، وتحولت مشاعرهم إلى كبت وحزن وانغلاق.. ومن هنا ينشأ شيء من التشدد والتطرف.
الحياة أسهل وأجمل من أن نحشر الناس في ركن قصي مظلم.. اليسر اليسر.. ليست الدمة والخطوة والزحفة هي ما يحول بين المرء والجنة.. وليست هي التي تقود إلى النار..
الزمن اختلف، كما اختلف تفكير أبنائنا، فلم يعد فرض ا?راء يحدث تغيرا على سلوك الابن فقط، بل أصبح يحمله ليؤثر به بطريقة قاتلة على رفاقه ومحيطه، ومن ثم تتسع دائرة التأثير، وتنتشر لتكون خلايا سوداوية تستهدف تفكير شبابنا تحت غطاء الدين.. فلنحذر من أن نغفل الدوامة الحقيقية التي تتخطف شبابنا، ولنحذر أن نقف محاربين مكامن الجمال، لاهين عن تحصين أبنائنا ضد ملوثات أفكارهم.
قبلة أخيرة على ثرى وطن البهاء: أتم الله علينا نعمة الفرح والسرور، وحفظ لنا وطننا براية خفاقة كلما صدح بسارعي للمجد والعلياء.. مجدي لخالق السماء..