من شمال لندن، في إنجلترا، أقطن حيا معظم سكانه سعوديون. هذا الحي هو أحد أرقى الأحياء في تلك المنطقة، ورغم ذلك التموينات قليلة حوله.
أحد هذه التموينات ابتكر منتجا خاصا به، وهو عصير مانجو عليه شعار السوبر ماركت.
بكل صدق، مذاق هذا العصير الجديد يشبه إلى حد كبير منتجات شركة سعودية. كنت سعيدة لأنني وجدت شيئا يناسبني، لكن فرحتي لم تكتمل، إذ إنه في ثالث زيارة لشرائه لم أجد منه شيئا، وأخبرني البائع أن الكمية كانت وافرة جدا لكنها نفدت تماما، مضيفا أن سكان هذا الحي، مشيرا إلى الحي الذي أسكنه، هم أكثر المشترين.
فوجئت، ليس لأننا جميعا تسابقنا لشراء عصير يشبه عصير إحدى الشركات السعودية، لكن لأننا أيضا نتسابق لإلقاء التحية العربية وسط الأجانب، نأكل التمر في الفسحة، ونضع البخور ونرتدي الأسود والأبيض، ونتجادل أمام طاولات الحساب، ونشرب القهوة العربية في أرض تشتهر باللاتيه والكابتشينو، فوجئت لأننا في مسقط رأس فرجينا وولف وشكسبير، لكننا ما زلنا نقرأ لمحمد الثبيتي وهو يقول: أنت والنخل طفلان، طفل قضى شاهدا في الرجال وطفل مضى شاهرا للجمال.
ورغم أن الشوارع تصدح بصوت أديل وريهانا، إلا أن السعودي يمشي وفي أذنه يتغنى محمد عبده، يتكلم وفي نقاشه يذكر لك شيئا مما قال غازي القصيبي أو خالد الفيصل بفم ملؤه الاعتزاز.
يعجبني أننا، بشكل مميز جدا، نتمسك بموروثنا الحضاري بثقافتنا بمأكولاتنا بزينتنا بلهجاتنا بأفكارنا بتحفظنا وكل ما فينا، قصدنا أم لم نقصد، شكلنا يعكس هويتنا.
ورغم أننا لسنا الوحيدين في هذا العالم، الذين نعكس هويتنا في ملبسنا، الهندي والأوروبي والإفريقي جميعهم يفعلون ذلك، لكنني، ربما بسبب انتمائي، أشعر أننا نفعله بشكل أكثر صدقا وأكثر جمالا.