أين المبادرات الاجتماعية للمسؤولين في المؤسسات التعليمية والدينية التي تستهدف القضاء على الطائفية؟ وأين الخطط التربوية في إزالة مظاهر التمييز بين المواطنين؟

نحن السعوديين مبدعون ومتميزون في التلاحم والاتحاد الوقتي، خاصة عندما تحدث جريمة إرهابية ذات نكهات طائفية تهدد الأمن المجتمعي.
نعم، التماسك الوقتي أمر مطلوب ومحمود، ولكن مع الأسف الشديد ذلك التماسك والتلاحم والزخم المؤقت، إن شئت، يكون فقط على هيئة إدارة أزمة أكثر من كونه قناعة متجذرة في ذواتنا.
فقبل ما يقرب من عام من هذا اليوم، وتحديدا في ليلة العاشر من محرم 1436، كانت حادثة الدالوة في محافظة الأحساء، ثم ضرب الإرهاب مرة أخرى بمسجد الإمام علي في القديح، وبعده بمسجد الإمام الحسين في الدمام، وقبل أيام العملية الإرهابية الأخيرة التي نفذت في مسجد حي الكوثر بمدينة سيهات.
أشهر متتالية تمر، وأحداث إرهابية متعاقبة، وشيء من مشاكلنا العميقة التجذر لم يتغير.
الأسئلة المطروحة: أين مواقفنا الفكرية التي كنا نأملها بعد كل هذه الأحداث؟
في المجتمعات الحية، نجد أن المواقف الفكرية تحصل بسرعة فائقة، خاصة عندما تصيبها كارثة في عقر دارها، أين المبادرات الاجتماعية للمسؤولين في المؤسسات التعليمية والدينية التي تستهدف القضاء على الطائفية؟ أين الخطط التربوية في إزالة مظاهر التمييز بين المواطنين؟
كنت أعتقد أن ما حدث سيجعلنا أكثر جرأة على مواجهة التطرف الساكن في جنباتنا إلا أن ذلك لم يحدث، فمجلس الشورى مثلا تجده يرفض مشروع نظام مستقل لحماية الوحدة الوطنية، لماذا؟، لأنه ببساطة لم ير أي خطورة أو دافع لمواجهة هذا الشحن العنصري والطائفي الذي ينتشر بسرعة النار في الهشيم بين الشباب في مواقع التواصل الاجتماعي، بدليل أنه لم يناقش حتى جدوى العقوبات الرادعة الواضحة والمحددة للمتلاعبين بالوحدة الوطنية.
أقول، وبكل صراحة، نحن مجتمعات مقسمة أفقيا وعموديا، وكلما ازداد التقسيم تفككت الأواصر، وتراكمت الأحقاد.
فللنظر مثلا إلى حادثة التاكسي التي انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي، والتي أثارت غضب كثيرين ضد شاب سعودي صور نفسه وهو يحاسب سعوديا آخر سائق تاكسي، لأنه علق في سيارته رسما لأحد الرموز الشيعية، ونكتفي بالقول، وبكل برود، إنه تصرف فردي شخصي لا يمثلنا.
في ظل هذه الأجواء، جاء الهجوم الإرهابي على سيهات، لأن الأجواء الثقافية المجتمعية محتقنة بالكراهية بجميع أشكالها!
آن الأوان أن نعترف أننا جميعا مسؤولون عما يحصل، وإن كانت هناك رغبة حقيقية في الاستفادة من هذا الزخم الوقتي، ولكي نعيش معه فترة أطول، علينا ألا نكتفي بمجرد الخطابات والشعارات والتغريدات المؤقتة، بل نحتاج إلى إعادة اكتشاف الذات، وإلا فإننا سنظل هكذا نتماسك مؤقتا كرد فعل يتلاشى عندما تزول أسبابه.
أخيرا أقول: ما زال لدينا أمل كبير في تغيير أحوالنا إلى الأفضل، فهو خيارنا الوحيد، أن نبادر جميعا إلى مزيد من العمل القائم على المساواة والعدالة وسيادة القانون القائم على كرامة الإنسان.