أظن فيما أظن، أننا المجتمع الوحيد في العالم الذي لديه تقسيماته العجيبة الغريبة، فيما يخص الثقافة والإبداع عموما. فنحن الوحيدون الذين قسّمنا المثقفين إلى: مثقف فصيح، ومثقف عامي. لن أذهب بعيدا في طرح نماذج لدول غربية متحضرة، كما في أوروبا على سبيل المثال، التي تتعامل بقدسية وإجلال لكل ما هو موروث شعبي يخص البلد وثقافته وجذوره، ودونكم أسكتلندا وتراثها الشعبي والموسيقي، بل سأطرح نماذج من دول عربية مثل: مصر ولبنان وغيرها. في مصر مثلا، يتعامل الناس وتتعامل المؤسسات الثقافية في الدولة مع أحمد فؤاد نجم أو مع صلاح جاهين أو عبدالرحمن الأبنودي، وهم شعراء عامية، بالتوازي والأهمية ذاتهما اللذين تتعامل بهما مع أحمد عبدالمعطي حجازي أو أمل دنقل أو صلاح عبدالصبور، وهم شعراء فصحى. فهي تتعامل معهم جميعا، مثلما تتعامل مع الموسيقي والممثل السينمائي والكاتب المسرحي، فكلهم داخل نسيج الثقافة الواحد. كنت إلى وقت قريب أتساءل بمرارة، هذا السؤال القصير الطويل: لماذا تُجرّم أنديتنا الأدبية، في مختلف المناطق، التعامل مع أي شأن يخص الشعر العامي، على منصّاتها ومنابرها؟، ولماذا يُعد من المحرمّات أن تقوم تلك الأندية الثقافية الرسمية، باعتماد جزء من ميزانيتها لطبع ديوان شعر عامّي واحد؟ إن كان هناك تفاوت بين شعراء العامية؛ فإن هذا التفاوت، بالتأكيد، حاضر بين شعراء الفصحى كذلك. الإجابة، هي أننا نعاني خللا ثقافيا ومعرفيا، تجاه الفنون الشعرية، فنحن لا نرتاح إلا لتقسيمات اللغة، بين عاميّة وفُصحى. بالله عليكم: هل رأيتم تقسيما مضحكا كهذا، في غير مؤسساتنا الثقافية؟