لم يعُد الفن العراقي هو الفن العراقي، ولم يعُد غناء العراق هو غناء العراق، ولم يعُد ماؤها الغنائي يروي عطشا، كما كان، وكما كنا معه، وفيه.
عشرات القنوات الفضائية العراقية تبث يوميا عشرات الأغاني، التي ليس لها من عبق العراق شيء، سوى جنسية المُغني، وكل هذا يحدث على مرأى ومسمع عشرات العراقيين، من مُلاك القنوات الفضائية تلك، لكنهم خانعون، وراضون، دون أن يهزهم اسم العراق الفني.
هذا الفراغ الوجداني الكبير في مساحة الأغنية العراقية الآن، بمجهودات أنصاف الموهوبين والمغنين العراقيين، لا يملؤه من وجهة نظري إلا فنانون قلة، سنحت لهم الفرصة الزمنية، لأن يكونوا حلقة الوصل المفقودة، بين عراق الطرب، وعراق الإسفاف الغنائي الراهن. من وجهة نظر خاصة، لا أظن أن من يملأ، أو يحاول أن يملأ تلك المساحة الوجدانية الفارغة الآن، بعد الكبار من أمثال ناظم الغزالي وسعدون جابر، إلا ماجد المهندس، بعد أن نستثني بدايات كاظم الساهر، وإلا فهو الآن غير موجود، حتى وإن كان موجودا. وحده ماجد المهندس، من لا زال في حنجرته بحّة العراق الطربية الأصيلة، ووحده ماجد المهندس، إذا ما أخلص وأراد، قادر على تخريب هذا الخراب الكبير في سمعة الأغنية العراقية. أن يخرّب الخراب، لا أن يكون جزءا منه.