داعش تعبير عن جملة من العوامل المعقدة والمتراكبة، تعبير عن الماضي المظلم، واليأس، والعقل المغيب، والكراهية. فالماضي الذي انتهى إلى كتب التاريخ، يعود أقبح وأقسى ما فيه إلى عالمنا المعاصر عبر هذا التنظيم
فجأة، استيقظنا في الصباح لنجد أن داعش محور العالم، الخصوم والأعداء وجدوا في داعش فرصة للتنافس والتسابق وإثبات الأولوية، والكل يقول إنه يريد محاربة داعش، والكل يتهم الكل أنه لا يحارب داعش كما يجب.
كل من لديه مصلحة أو هدف خفي في مكان من العالم خرج لتحقيقه بعد أن وضع عليه لافتة محاربة داعش.
الولايات المتحدة ومعها دول التحالف الدولي بدأت منذ عام حملتها ضد تنظيم داعش، وهي مستمرة في ضرب أهداف لداعش في سورية والعراق، والجديد: ها هي روسيا تدخل على الخط، وترفع شعار محاربة داعش، لتفعل ما كانت تفعله أساسا ومنذ أربع سنوات ونصف السنة!
فهي ومنذ اندلاع الثورة السورية اتخذت موقفا واضحا وحازما بدعم النظام السوري عسكريا وسياسيا، فاستمرت في تزويده بالأسلحة الفتّاكة، ودافعت عنه في المحافل الدولية، واستخدمت حق الفيتو في مجلس الأمن لمنع صدور قرار بإدانته.
واليوم تصعّد من تواجدها العسكري وترفع من سقف دعمها عبر المشاركة المباشرة لقوات السلاح الجوي الروسي في الحرب السورية، وكل ذلك لم يستدع منها سوى رفع تلك اليافطة السحرية: (محاربة داعش).
اللغة السياسية في العالم اليوم تدور كلها حول هذا العنوان، الروس يقولون إنه يجب إشراك نظام بشار الأسد في الحرب على داعش، وإنه لا يمكن هزيمة داعش ما لم يتم ذلك، الأميركان يقولون إن رحيل بشار الأسد شرط ضروري لهزيمة داعش، الألمان يتراخون قليلا؛ فيقولون إنه يمكن للأسد أن يكون جزءا من مرحلة انتقالية إذا كان ذلك يسهم في هزيمة داعش.
بعد قليل يستطيع نادي ريال مدريد أن يقول: إن فوزنا على برشلونه شرط أساسي وضروري لهزيمة داعش، وربما تقول (أنجلينا جولي): إن عدم فوزي بجائزة الأوسكار سيعزز فرص داعش في البقاء، وقريبا ستتمكن الشركات من استثمار اسم داعش في الترويج لمنتجاتها، وربما تقول (بيبسي كولا) إن الدواعش يشربون (كوكا كولا)، وتقول (دوف) إن الدواعش يستحمون بـ(لايف بوي)!
ولكن، لماذا تحولت داعش إلى هذا العدو المطلق؟ ولماذا صارت مركز اهتمام العالم؟ ولماذا يتفق عليها الغرب والشرق؟ ويتنافس الجميع في حربها؟
داعش تعبير عن جملة من الأشياء والعوامل المعقدة والمتراكبة، تعبير عن الماضي المظلم، وتعبير عن اليأس، وتعبير عن العقل المغيب، وعن الكراهية.
فالماضي الذي انتهى إلى كتب التاريخ، يعود أقبح وأقسى ما فيه إلى عالمنا المعاصر عبر هذا التنظيم، والشباب اليائس الذي حوّل يأسه إلى حقد على العالم وعلى الإنسانية، وجد من يتلقفه ويعبث بعقله، ويجري له نوعا من أنواع غسيل الدماغ، وينتزع من قلبه آخر ذرة من الرحمة والإنسانية، ومن عقله آخر خلية قادرة على التفكير، فيحوله إلى مجرم وقاتل، يرتكب أبشع الجرائم الوحشية، فيما هو يعتقد أنه ينفذ إرادة الله تعالى، وأنه يعلي كلمة السلام.
هذه الوصفة المعقدة، صارت وصفة مثالية للعالم ليرسمها على شكل شيطان مطلق، ثم يبدأ التنافس على حربها، والمشكلة أن العالم فيما هو يشيطن هذا التنظيم الوحشي، ويرسمه بتلك الصورة الكريهة والقبيحة، ظهرنا نحن في هذا الطرف أو ذاك من الصورة، ومسّتنا كراهية داعش وصورته البشعة، وأينما حللنا في أي بقعة من العالم، ينظر الناس إلينا كعرب وكمسلمين، على أن لنا علاقة ما بـ(داعش)، وإن لم نكن من داعش فإنه منّا.
ربما كان هذا أسوأ ما فعله هذا التنظيم الإرهابي، أي أن يُربط به في نظر العالم أكثر الناس تضررا منه، وأكثر من يعرف حقيقته وجرائمه، وبعده عن الدين الحنيف الذي يدعيه. فالمسلم هو أكثر من يعرف كم هو الإسلام بعيد عما يفعله داعش وما يدعيه، والمسلم هو الأكثر عرضة لإرهاب داعش، وكل ما جرى في سورية والعراق وفي السعودية وفي الكويت ومصر وفي تونس هو أدلة واضحة أن هذا التنظيم لم يحارب أحدا حتى اللحظة إلا المسلمين والدول الإسلامية، وفوق كل ذلك فالمسلم هو المتهم في نظر العالم، وإن لم يكن شيطانا كاملا، ففيه مسّ شيطاني.
وعلى داعش فليتنافس المتنافسون.