الداعشي انتقل من حالة الضعف والاضطهاد النفسي جراء الوصاية وسلب القدرات الذاتية إلى مرحلة القوة وإثبات الذات بالعشوائية والفوضى والإجرام

يقول البعض إن داعش سحرت أتباعها؛ ذلك لأن شناعة الأفعال تجاوزت استيعاب العقل وخرجت عن إطار التصورات، والوحشية التي تستعرضها داعش في كل عملية تنفذها لا تقف عند حد.
الواقع أن الجماعات التي تتكيف معتقداتها بصبغة دينية وهدف سياسي يصعب عليها التعقل، فالمؤثرات الحيوية التي تفعّل فيها تسيطر على دائرة الإدراك بأكملها، وحين يستحوذ المؤثر على الفكرة فإنه ينعكس على السلوك والأفعال إذا وجد البيئة الحاضنة، وقد يضحي المتأثر بأغلى ما يملك من أجل المقاصد التي يوجه إليها، ذلك مع غلبة الحماسة والقسوة، لأن الميل وفق المشاعر المتطرفة ينقلب إلى عبادة وخضوع أعمى، والنزوع إلى معاداة المختلف يأتي كشعور ملازم لطبيعته، وربما كان السحر والسر لدى داعش في اختراقها للعقل والعادة في ممارساتها؛ حين نسبت لنفسها القدرة على إعادة الخلافة التي استحال استرجاعها، فيما ظلت شعورا خياليا وحالما عند أكثر المسلمين.
الشعور الديني الذي يقابله واقع لا يربي على المسؤولية وتنعدم فيه ثقة الفرد بنفسه، تجعله بحاجة ملحة للسؤال عن جواز أفعاله أو حرمتها من خلال المتشدد الذي يحاصره في أدوار متعددة تتعلق بنواح شتى في شؤون الحياة، حتى أصبح كل من ضاعت عليه الفرص وأرسل لحيته يستطيع أن يأخذ مكانه في الفتوى وإن كان بلا علم.
هنا أفترض بأن استغلال الشعور الديني في بادئ الأمر أبقى الفرد ضعيفا مستهلكا وموجها لا يمتلك إلا الاستجابة في شأن دينه ودنياه، ثم قابلت هذه الحالة وجود تنظيمات الإسلام السياسي، حين تلبست الدين واستغلت الشعور الديني ولكن على طريقة تعويض النقص من خلال تمكين المنضمين إليها ومنحهم الثقة، بينما كانت ضريبة التعويض مبنية على العنف النفسي الذي ولد الوحشية وجعلها معيارا لقوة الإيمان، أي أن الداعشي انتقل من حالة الضعف والاضطهاد النفسي جراء الوصاية وسلب القدرات الذاتية إلى مرحلة القوة وإثبات الذات بالعشوائية والفوضى والإجرام، والرابط في الحالتين أتى من تكوين الاعتقاد الذي دعا إلى الفعل.
أخذ المونتاج الداعشي في إثارة الفزع والإرهاب؛ كونه تمكن من تعريف نفسه كخطر أيديولوجي في المنطقة، وسيستهلك البشر حتى تنتهي صلاحيته بانتهاء الأهداف التي أربك الشرق الأوسط من أجل تحقيقها، لكن الأهم من هذا وذاك أنه استطاع تجريد المنتسبين إلى تنظيمه من قيمهم الإنسانية، فهم لا يتوانون في تنفيذ أبشع الجرائم ولو كانت ضد أقاربهم فضلا عن الأبرياء من عامة الناس، وبالرغم من تلك التخمة الظاهرية إلا أنها على الجانب الأهم تفسر حالة من الهوان العقلي والفكري والديني لدى الذين استهلكهم وأهلكهم التنظيم، والهوان ناتج عن الإفلاس التربوي والمعرفي الذي لم يعط للعقل أولوية، ولم يبن الشباب منذ البداية في البيت والمدرسة والمسجد، فكان داعش الخيار البديل.
إذا كان محل المعتقد يتبدل، فإن الشعور الديني لا يتبدل أبدا، وإن كان الأمر كذلك فما الجدوى من فتوى تجرم داعش؟!